قبل ان افتح عينيّ كل صباح متأخر، أراني وقد استيقظتُ على أيقونة الخدمة الخبرية العاجلة في التلفون، وهي تنبهني إلى قتولات صباحية، وجرحى يتساقطون بالعشرات. ثم يلاحقنا النكد فتتصاعد الأرقام وتتوالى التفجيرات بالمفخخات والعبوات الناسفة وتضيع معالم ا
قبل ان افتح عينيّ كل صباح متأخر، أراني وقد استيقظتُ على أيقونة الخدمة الخبرية العاجلة في التلفون، وهي تنبهني إلى قتولات صباحية، وجرحى يتساقطون بالعشرات. ثم يلاحقنا النكد فتتصاعد الأرقام وتتوالى التفجيرات بالمفخخات والعبوات الناسفة وتضيع معالم الانتحاريين الملاعين، المعروفة قسماتهم وهوياتهم رغم تناثرها بين أشلاء ضحايانا في كل المدن والشوارع والأحياء العراقية، حيث يتوحد العراقيون، وتختفي هوياتهم الفرعية ويتجاور نثار أجساد الشهداء ليتوحد في جسد واحدٍ: عينان "سنيتان" مفتوحتان على يد شيعي، وهو يمسح ملامح ايزدي او مسيحي او صابئي، كردي او عربي او تركماني او كلدو اشوري، ثم تتشابك الايدي
ويتشارك الجميع في نشيدٍ مُبَرأٍ من اي مفردة طائفية... ايها العراقي، تعافى وتوحد وانهض، لعلك تعيد الفرح الى نفوس من بقي منا حياً، ولعلك تهزم في نهاية المطاف تجار سفك دمائنا، القتلة منهم بالسلاح، والمتفرجون على دمنا المسفوك ببرودة دم، وكأنهم يتبادلون الادوار، هذا قاتل محكومٌ بلوثة التطرف والتكفير، وذاك مهووس، متلبس بغواية السلطة وادعاء ولاية المظلومية التاريخية..
اما نحن القتلى والجرحى والمستباحة أرواح ذوينا وهم ينتظرون اللحاق بنا في مهرجانات دم يومية لا تتوقف، فلا ولاية علينا، ولا غواية تستدرجنا الى متاهات قبورنا التي نُلحد فيها، سوى غصة كأنها شقشقة عالقة لا سبيل الى ان تقر، ونحن نرى مواكب جنائزنا وقد أصبحت مشهداً يومياً لا توقف راجلة ولا موكب مسؤول، كما لو انها باتت طقساً سيّاراً، اندمج مع حياة الناس الرتيبة وفقد أي معنى آخر له في نظر أصحاب السلطة والمقام والجاه الزائف ومخاتير حظوظنا العاثرة..!
أليست فجيعة الفجائع، ان يتنابز المختار مع معارضيه كلما رأى وسيلة او مناسبة متاحة، حول كل أوجه السلطة المتداعية، ويستغرقه الجدل المنافق حول المسؤولية عن الفساد والفشل في كل منحىً وميدان من ميادين الإخفاق في الوعود والتطلعات، ويتناسى الدم الزكي المراق، ولا يجف الدم في عروقه الشوهاء، ولا يتنادى لحشد كل الدولة والأمة في وقفة شرف، ونخوة، واستعادة وعي وصحوة ضمير، لإيقاف مسلسل التصفيات الجسدية التي تسببها شهوة الحكم بلا كفاءة ولا حكمة ولا جدارة أخلاقية..؟
أتذكر، بلوعة من تراخى الأمل عن مراودته، سنواتٍ كانت الدكتاتورية السابقة لهذا العهد اللعين ايضا، وهي تسوق العراقيين الى مهرجانات القتل والسبي في قصر النهاية، او تدفع باخيارهم الى سوح الحروب، او تتدبر تصفيتهم بكل وسائل الدناءة التي تليق بأشباه البشر من حكام الجور والتسلط والرعونة، والعالم من حولنا صامت، مشدود الى مصالحه التي يتقايض بها مع دمائنا وارواح ابناء شعبنا. تساوى في هذا الصمت المتواطئ، الغرب والشرق، الاغراب والاصدقاء، العرب والجرب..
يومها كنا نشعر بمزيجٍ من الحيرة والاحباط، وبقدرٍ هائل من الغيظ الدفين، والاحساس بكسر الخاطر، ونحن نرى الدنيا تقوم ولا تقعد، والصحافة في الاتحاد السوفيتي "الفقيد" وهو يقارع ويصارع دفاعاً عن شهيدٍ يسقط في بلدٍ من بلدان اميركا اللاتينية، او يحتفي ببطولة مناضل فيها وهو يكسر محبسه ويهرب لينضمّ الى رفاقه في المهجر، وبيننا نحن المشاركين في الاحتفاء، رعيلٌ كامل مر على السجون، وكسر اسوارها، والتحق بالنضال، ثم أُسر ثانية وثالثة، ان لم يستشهد في المطاردة او تحت التعذيب..!
لم يكن لصوتنا صدىً، غارت تضحياتنا تحت مداس المقايضة بالمصالح، وتفككت بفعلها قيم التضامن والتكافل، وعلت عليها، ترهات "المصالح العليا" التي رأينا فيها مستقبل الناس في الكون الآتي بعد حين ..
يا للخجل، ايمكن ان يكون للدم ثمن..؟
ايجوز مقايضة ارواح البشر بالمصالح بين الدول..؟
في يومٍ فاضت الارواح بكل مشاعر الغضب والإحساس بالغدر، قال رفيقٌ لم يكن سهلاً عليه ان ينال من حصانة انتمائه.. قال عزيز محمد وهو يُخاطب اممياً كبيراً: هل تتباين دماء العراقيين مع الدم في اميركا اللاتينية ايها الرفيق، لتصبح رخيصة الى الحد الذي لا تستحق معه النعي والاستنكار الغاضب على القاتل..؟!
اليوم وانا أتابع المشهد الجنائزي اليومي، في ظل صمت كافرٍ، مهادن، متهاونٍ ، راح يفيض الدم ليغمر كل مسامة حية في العقل والروح، ومواضع الاحساس والرهافة الانسانية، وأخذ السؤال الممض يتفجر في كياني: ايرخص الدم العراقي، حتى لا يستحق ان يكون لافتة انتخابية، تستصرخ ضمائر من سلبوا ارادة شعبنا وتوسدوا مغانم سلطته المغتصبة..؟
هل نبقى حائرين بمزاعم بين الادعياء، حول المتسبب في استباحات البلاد والعباد ونهب الثروات والفساد، ولا من قول حول المتسبب في تحول القتل الى مشهد عادي سيار، لا غضاضة فيه..؟
أتصبح مكارم ابي احمد المالكي، بتوزيع أراضي الدولة وممتلكاتها، اعلى شأناً من التنازل قدر شهيد واحدٍ عن عتوّه واستكباره وشهوة الحكم ومغانمه في نفسه الامارة بالغواية، واستنفار الكل لوضع حد لمهرجان الدم العراقي..؟
ايها الشهيد الدامع المتحسر، لك الله، تحميك راية الحسين ومصلبة المسيح ودعوات الثكالى الطاهرات المنزهات من سحت اللصوص..
ايها الشهيد، دمك القاني يسيح كل يوم احمر طاهراً، يكفي لغسل ارضنا من أدران المخاتلين وأدعياء التقوى..
دمك طاهر، سيأتي الوعد، ليستنطقه، ويستحثه على القصاص:
فم ليس كالمدعي قولة... وليس كآخر يسترحم
جميع التعليقات 3
الدكتور محمد معارج
او كما قال الجواهري الكبير ﻭﻏــﺎﻓﻴﻥ ﺍﺒﺘﻨــﻭﺍ ﻁﻨﺒــﺎﹰ، ﺜــﻭﻭﺍ ﻓــﻲ ﻅﻠــﻪ ﻋﻤــﺩﺍ ﺭﻀـــﻭﺍ ﺒـــﺎﻝﻌﻠﻡ ﻤﺭﺘﻔﻘـــﺎﹰ ، ﻭﺒـــﺎﻻﺩﺍﺏ ﻤﺘـــﺴﺩﺍ … ﻴــﺭﻭﻥ ﺍﻝﺤــﻕ ﻤﻬﺘــﻀﻤﺎﹰ، ﻭﻗــﻭل ﺍﻝﺤــﻕ ﻤــﻀﻁﻬﺩﺍ ﻭﺍﻡ ﺍﻝــﻀﺎﺩ ﻗــﺩ ﻫﺘﻜــﺕﹾ، ﻭﺭﺏ ﺍﻝــﻀﺎﺩ ﻤــﻀﻁﻬﺩﺍ ﻭﻻ ﻴﻌﻨــﻭﻥ - ﻤــﺎ ﺴــ
ابو سجاد
بارك الله فيك يااستاذفخري يحاول المختار ان يفتل عضلاته على بني جلدته وهو لايستقوي على المتكبر يقف امامه ذليلا حائرا يائسا بائسا اين هو من جرذان القاعدة التي تصول وتجول في العراق وللاسف طالت حتى اربيل وهذا بسبب عنجيته واستهتاره ايريد صولت جرذان اخرى على من
أزمر العراقي
لقد مات حلم أنبعاث عراق تتوارث أجيالة الجديدة توهجات الزمن الجميل وحلم العودة الى الأصول الممتدة في عمق الحضارة الأنسانية ,,, لقد حل الخراب بحكم أشباه الرجال .. معطوبي الضمير .. أأنه زمن الفجيعة الغير قابل للترميم على أيدي زعماء الطوائف