TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صديق المالكي وصورة الموت

صديق المالكي وصورة الموت

نشر في: 4 ديسمبر, 2013: 09:01 م

المسؤول الرفيع السابق، صديق المالكي، وجد وقتا ليسلم عليَّ ويحدثني عن رد فعل السلطان كلما سمع بمفخخة! وأنا أتذكر خطابات الخميني، وأسترجع صورة بعض القادة الناجحين.
انه حديث عن الموت وسط حفل أقامه الإماراتيون للاحتفال بالذكرى ٤٢ لتأسيس دولتهم. أصدقاء وصديقات يحدقون معي في شعار حفل دولة الإمارات العملاق الذي توسط قاعة فندق روتانا، حيث يصور تخطيط بالأسود والأبيض الراحل الشيخ زايد وحوله الشيوخ الستة الذين شاركوه في تأسيس اتحاد الإمارات. انه حفل مختلف ينطلق من ماض متواضع بلا ادعاءات، فهؤلاء بشر عاديون يرتدون الغترة والعقال ويفكرون بمستقبل مختلف، وينشط موظفو القنصلية بتوزيع صور عن حاضر بلادهم، وكراريس يتلاقفها ضيوف أمريكان ويابانيون بشغف ويرددون مع كل صورة: وااو هائل، ما هذه المفاجآت يا دبي.
أصدقاء لبنانيون وأردنيون يقلبون الكراريس معي، وانا أقول لهم: ركزوا على لوغو الحفل، سبعة رجال يرتدون زينا التقليدي، الدشداشة والعقال، بلا ادعاءات كبيرة، ليس بينهم كلكامش ولا شلمنصر، ولم ينجبوا سيابا ولا جواهريا، لكنهم يخطفون بلا ادعاءات كبيرة، أبصار الأمريكان واليابانيين، ويدخلون عصر ما بعد النفط. ولو استيقظنا صباحا ولم نجد النفط، فسنتضور جوعا في العراق، لكنهم في الإمارات اصبحوا جزءا من حركة التجارة الدولية، واقتحموا خارطة البزنس وبورصة التاريخ.
في هذه الأثناء، مرق بقربي صديق قديم للمالكي ومسؤول سابق، فتوقف للتحية. وهؤلاء لا يجدون الوقت الكافي أثناء انشغالهم بخدمة الشعب، لإلقاء التحية على أمثالي، لكنهم وبعد ان ينتهوا من خدمة الشعب، فسيكون لديهم وقت فراغ يتسع لأشياء جديدة!
المهم أننا وقفنا نتبادل مجاملات حائرة، أنا والمسؤول السابق، او الصديق السابق للمالكي، فتحدثنا عن أهالي طوز خور ماتو الذين يتعرضون لإبادة مخيفة، وعن غيرهم من العراقيين الذين لم يعودوا يعرفون هل هم أحياء ام برسم الموتى، عن الموصل التي يصيبها العنف بالشلل، وعن بغداد المذبوحة باسم كل الملل والنحل. سألت صديق المالكي السابق: الى اين نتجه برأيك، انت الخارج من عرين السلطان الفاشل؟ أجاب: "ليتك ترى وجه المالكي حين تتدفق علينا أخبار الموت. مرة رآني متأثرا بعد مجزرة رهيبة بالمفخخات، فسألني: هل حقا ان سقوط ١٠٠ شهيد يهز معنوياتك، عليك ان تتحلى بالصمود، ولن نخضع"! أكملت أنا للصديق السابق للمالكي "يعني ما ننطيها"!
الأمر جعلني أتذكر خطابا لآية الله خميني، ألقاه في آخر أيام حرب الأعوام الثمانية، ويتذكره الإيرانيون والعراقيون تحت عنوان "وافقنا على وقف اطلاق النار وسأتجرع السم". ففي فقرة أخرى اقل شهرة، ضمن الخطاب نفسه، قال الخميني: "يزعمون أننا خسرنا، لان مئات الآلاف من شبابنا لقوا حتفهم في الحرب، لكن هذه رؤية مبتورة مادية، فالموت على درب الحق، عروج مثالي الى الله. ان الحرب أتاحت للآلاف فرصة ذهبية كي يعرجوا الى الله". هذه العبارة أيضا منطق من قماشة "ما ننطيها"، بل ان الأمر يجعلني انتبه الى ان الانتحاريين ال"بن لاديين" والزرقاويين، ينتمون أيضا الى وجه آخر لأمة "ما ننطيها" التي تعني إلغاء السياسة، والامتناع عن الحلول السلمية، ورفض الحوار، واللجوء الى القوة الغاشمة في إدارة الصراع، وما العيب في ذلك طالما كان أولاد الخايبة، هم القرابين الأبديون، لشهوات البطولة الزائفة، والنبوخذنصريات التي كان يتمشدق بها صدام حسين، وغيره ممن حاول لعب دور الثائر الملحمي "بروس أولاد الخايبة".
أعود لأحدق مع الأصدقاء، في لوغو اتحاد الإمارات، الذي لم يفكر بشيء طيلة ٤٢ سنة من ولادته، خارجا عن اطار البناء والانخراط الذكي في شبكة التجارة مع البلدان المتقدمة، وتوفير العيش الكريم للشعب. أنها بطولة إماراتية لا تحتاج الموت، ولا مزاعم الثورة المزيفة، ولا تتطلب جدالا حول "ننطيها او ما ننطيها"، لان شيوخ القبائل هؤلاء، ثاروا على تخلفهم وفقرهم، وانتصروا ورفعوا رؤوس أبناء شعبهم، وصاروا ينظرون الى حمورابي المعاصر، وهو محاصر بصخرة عبعوب، وغارق في الوحل والدم والدمع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. محمد

    الشعب كله معك كلامك صحيح الحل شنو

  2. ميسون الالوسي

    في كل مرة تتحفنا بمقال رائع استاذ سرمد. ... احرص يوميا علي قراءة مقالك وافاجا دوما بمدي روعة طرحك لماساتنا. ...

  3. ابو سجاد

    اسال سؤال استاذ سرمد هذا العالم الكبير المتحضر كاوربا واميركا كيف بنوا حضارتهم وبهذه السرعة ونحن رجعنا الى الوراء ضعف سرعتهم هل هؤلاء توكلوا على الله ام على انفسهم وهذه الامارات على ماذا توكل الشيخ زايد زايد الخير واصبحت باصطفاف الدول المتقدمة

  4. احمد

    ربما كان سيكون من الافضل لو ان المقال كان قد وضح اسباب وصول الامارات بصورة خاصة والخليج بصورة عامة الى ماهم عليه الان بدلا من سرد لمحات من فشلنا وهي المقتل الذي صار يعرف تفاصيله الطفل ذو العشر اعوام في العراق. ان السبب الرئيسي لما هي عليه الامارات مثلا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram