في كل أنحاء جنوب إفريقيا ألقى المواطنون تحية على الرجل الذي يعتبرونه أبو الأمة – قديس علماني الزم نفسه بالتسامح و المصالحة ما تسبب في ولادة ديمقراطية غير عنصرية من بلد طالما مزقه التمييز العنصري . في الواقع ان الناس في كل العالم قدمت التحية و الإجلال بما في ذلك وضع الزهور على تمثاله أمام مبنى البرلمان البريطاني في لندن . 

في مراسيم جرت في كاتدرائية جورج الانكليكانية في مدينة كيب تاون ، تحدّث رئيس الأساقفة دزموند توتو – العملاق الآخر في الكفاح ضد العنصرية – عن آمال و مخاوف الكثير من مواطنيه قائلا " لنمنحه هدية عبارة عن جنوب إفريقيا موحدة ". 

مع رفرفة الأعلام في أنحاء جنوب إفريقيا ، كان هناك شعور بالخسارة ممزوج بذكريات الإلهام ، امتد من الرئيس أوباما في واشنطن الى أفراد العائلة الملكية في بريطانيا الى أولئك الذين رأوا في السيد مانديلا مثالا للكفاح الأوسع . قال رئيس وزراء الهند مانموهان سنغ " لقد رحل عملاق بين الرجال . أنها خسارة للهند كما هي لجنوب إفريقيا ". و في لندن صرّح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون قائلا " لقد انطفأ مصباح عظيم في العالم ". 

عكست التحايا مشاعر عالمية تتجاوز الخطوط العرقية و الوطنية و الدينية و السياسية . في الولايات المتحدة ، اندفع الديمقراطيون و الجمهوريون على حد سواء لتبني إرثه. و في الصين، أثنت عليه الحكومة كمحرر من الإمبريالية ، كما تبناه المخالفون كرمز للمقاومة ضد القمع . 

في جنوب افر يقيا احتشد المواطنون من مختلف الأعراق عند منزل السيد مانديلا و هم يضعون أكاليل الزهور و ينشدون أغاني الحرية و يهمسون بالدعوات و يؤدون رقصة تويي تويي المختلطة تكريما له . لقد تجمّع الناس بشكل نادر في بلد تنزلق فيه هموم الحياة اليومية و الاقتصاد المتعثر و الفساد الحكومي الى حالة من اليأس . يقول ريجنالد هوسكنز الذي جلب معه ولديه الى منزل السيد مانديلا صباح الجمعة " انه واحد من الأيام التي يتوحد فيها الجميع ، و هذا ما كان مانديلا يمثله ، يجب علينا تكريمه كل يوم في حياتنا ". بالنسبة للذين يعرفونه بشكل افضل، تسرب خبر وفاته ببطء ، يقول توكيو سكسويل العضو البارز في الكونغرس الوطني الأفريقي و كان سجينا مع مانديلا في جزيرة روبن " طيلة معرفتي به على مدى 40 عاما ، لم أتصور يوما ان يجري الحديث عنه بصيغة الماضي. ان موت أيقونة مثل نيلسون مانديلا يؤشر نهاية حقبة ". 

الأمير وليم ، ثاني ولي للعرش البريطاني ، تحدث للمراسلين بعد حضوره العرض الأول لفيلم عن السيد مانديلا الخميس داعيا إياه " رجل غير اعتيادي و ملهم ". 

ضجيج الإجلال و التحايا للسيد مانديلا كان يعكس قدرته، بعد اطلاق سراحه من السجن عام 1990 ، في التواصل مع الناس لإقامة روابط حول العالم ، و يعكس الطريقة التي سعى بها العديد من القادة الى خروجه . من المتوقع ان يحضر مراسيم تشييعه الرسمي خلال الأيام القادمة العديد من زعماء العالم . يقول الرئيس السابق للولايات المتحدة جيمي كارتر " شغفه بالحرية و العدالة أنعش أملا جديدا لأجيال من المظلومين في أنحاء العالم ". 

انضم الموسيقيون و رجال الدين و الرياضيون الى الحشد ليقدموا وسام الشرف بعد موت مانديلا ، يتقدمهم لاعب الكريكيت الشهير من جنوب إفريقيا دي فيلييرز و هو يردد تمنيات رئيس الأساقفة توتو من أجل مستقبل حر خال من التقسيم العنصري و الاجتماعي . يقول فيلييرز " دعونا نلتحم اليوم اكثر من أي وقت مضى كأمة ، فنحن مدينون له بذلك ". 

كان السيد مانديلا مرتبطا بالرياضة بشكل وثيق ، كملاكم في أيام شبابه، و كمساند – بعد ان اصبح أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا – لفريق الركبي الوطني – الذي كان يوما ما مقتصرا على البيض – و الذي حقق الفوز بكأس العالم عام 1995 . 

الا ان إرثه الأكبر – بالنسبة لبعض الرياضيين – كان نزاله في المصالحة و الحرية . قال البطل السابق في الملاكمة للوزن الثقيل محمد علي كلاي في تصريح له " كان يعلّمنا التسامح و المغفرة على نطاق واسع . لقد ولد بنفس حرة تسمو فوق قوس قزح . اليوم تسمو روحه الى السموات و هو الآن حر الى الأبد ". 

عن : نيويورك تايمز