TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > مانديلا..السيرة والرئاسة والنموذج

مانديلا..السيرة والرئاسة والنموذج

نشر في: 6 ديسمبر, 2013: 09:01 م

رحيل نيسلون مانديلا المناضل والرئيس الجنوب أفريقي يضعنا أمام اثره النضالي، وأمام سيرته الشخصية التي تحولت الى نقطة ضوء في تاريخ الشعوب التي تبحث عن حريتها، وتكافح من اجل ان تكون هذه الحرية طريقا مفتوحا لمسارات الأجيال الجديدة، ولتأصيل قيم العقلانية ف

رحيل نيسلون مانديلا المناضل والرئيس الجنوب أفريقي يضعنا أمام اثره النضالي، وأمام سيرته الشخصية التي تحولت الى نقطة ضوء في تاريخ الشعوب التي تبحث عن حريتها، وتكافح من اجل ان تكون هذه الحرية طريقا مفتوحا لمسارات الأجيال الجديدة، ولتأصيل قيم العقلانية في انضاج رؤيتها للحقوق والحريات والتنميات..

هذا الرحيل، يعني أساساً استعادة الرجل بوصفه قوة اخلاقية، ونموذجا لصناع حوارات السلام الانساني، السلام الذي يعني القوة الخلاقة، والذي انهى اخطر تاريخ للفصل العنصري في القرن العشرين، اذ تحوّل الى درس أخلاقي لإدماج المكونات الاجتماعية والعرقية في سياق بناء الدولة والمواطنة، وللشروع في عملية إصلاح سياسي وثقافي اجتماعي ألغت من الذاكرة عقدة اللون والعرق، ورسمت للجميع أفقاً مفتوحاً لامكانية انضاج الحوار الثقافي بديلا عن العزل والتصفية والتهميش..
واذا كان الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون قد ادرك هذا المعنى بقوله: بان مانديلا( مصدر الهام العالم، وعلينا ان نستلهم من حكمته وتصميمه والتزامه لنسعى الى جعل العالم افضل) فان ذلك يعني استلهام رمزية هذا الرجل في ان يكون مصدر وعي مسؤول، من خلال تساميه على روح الثأر والعنف ودعوته للتعايش في عالم يؤمن بالاختلاف والتعدد، والقبول بالآخر، وإعطاء الفرص الحقيقية للحوار والتآلف والتشارك على اسس من التحضر والحقوق..
صورة مانديلا، لم تعد صورة السجين القديم، او حتى صورة الايديولوجي والمكافح من اجل حرية شعبه حسب، بل تحولت ايضا الى مايشبه صورة(القديس) الذي يلقي خطبته في الوعظ، وتنقية النفوس، وفي نبذ الكراهية.. وقد تبدو هذه الوظيفة لاتناسب رئيسا للجمهورية التي شغلها كصانع للاطمئنانات، لكنها ايضا تجعلنا نعيد النظر في وظيفة الرئيس ذاته، بوصفها صورة للبطل الأخلاقي، والبطل المنقذ، والذي يمكنه ان يتجاوز عقد الكرسي الرئاسي ليعود الى(البر) الوطني لممارسة وظيفة الزعامة الأخلاقية والروحية، والتي تحولت الى عبرة للاخرين، والى درس لتعليم الشعوب كيفية صناعة المستقبل، وفي نبذ الكراهية والعنف وسياسات العزل العنصري والثقافي والهوياتي..
عوالم افريقيا والثورة..
عوالم افريقيا التي عاش رعبها مانيلا جعلته اكثر ثورية وحكمة في النظر الى طبيعة الصراعات، اذ كان محتوى هذا الصراع(الدخيل) يقوم على اساس سياسات الفصل العنصري، وان النضال من اجل مواجهة هذه الكراهية ينبغي ان تقوم على اساس اشاعة الثقافة الضد، تلك التي تروّج لوعي الحرية وللارادة وللايمان بالذات الوطنية، وبالحقوق والحريات، بما فيها حق العيش والوجود..
هذه الافاق هي منطلقات مانديلا الاولى، تلك التي تأثر بها مع طروحات الفكر الانساني، بدءا من الفكر الثوري الماركسي، وصولا الى تاثره بالادبيات التي جسدها المثقفون الزنج في افريقيا، ومثقفو مابعد الكولونيالية في افريقيا ودول الماترتيني خاصة فرانز فانون، والذي كان يمثل له نوعا من الالهام الثوري، فضلا عن تاثره بالثورية الزنجية في امريكا ذاتها والتي قادها المناضل الحقوقي مارتن لوثر كنغ، اذ دفعت هذه التأثرات مانديلا الى توسيع حركته النضالية، والى استشراف رؤيته للنضال السياسي والاجتماعي مع النضال الحقوقي بمواجهة سياسية الفصل العنصري في جنوب افريقيا، من قبل السياسات الاستعمارية البريطانية، ومن قبل الحكومات العنصرية في جوهانسبرغ وسياسات الابارتهيد التطهيرية..
سيرة مانديلا لاترتبط فقط بكونه زعيما سياسيا، بل ترتبط اكثر بكونه رائدا للسلام الاجتماعي والسياسي والثقافي، ونضاله من اجل قيم الحرية، واحسب ان حصوله على جائزة نوبل للسلام هي تعبير عالني عن هذا المعطى، وعن الفصل مابين مانيلا السياسي والزعيم الحكومي، وبين مانديلا المناضل والحقوقي الذي ادرك بعد سنوات طويلة من السجون والصراعات، ان الحرية تستحق اكثر من هذا، لانها عنوان للمستقبل وللكرامة، ولبناء الدول، وتعميق المعاني الحقوقية والانسانية للشعوب، لاسيما تلك التي ظلت تعاني من الحروب والصراعات والاستبدادات والسياسات الهوجاء..وبقطع النظر عما لحق ب(مانديلا) من إجحاف بتاريخه، وبصورته خلال ماتعرض له من محاكمات وسجون، وتوسيمات بالإرهاب والكراهية، فانه ظل عنوانا من اجل الحرية، ومن اجل إخفات صوت النضال ضد العنصرية والاستعباد التي عانى منها شعبه، والكثير من الشعوب، والتي تعاني اليوم ايضا من سياسات التكفير والعزل الثقافي والطائفي.. واحسب ان خصوصية شخصية مانديلا تكمن في هذه القدرة الساحرة والبسيطة على مواجهة تاريخ طويل من العنف والعنصرية بروح متسامحة، وبرؤيا تعبّر عن السمو والترفع، وتجاوز تاريخ عصابي الى تاريخ اخر، يؤكد صورته بالقول بـ (انه كان يناضل ضد سياسات البيض العنصرية، وان سيواصل النضال ضد أية سياسة سوداء عنصرية)
تقول سيرة مانديلا بانه انضم الى المؤتمر الوطني الافريقي- الجهة الوحيدة التي كانت تدافع عن حقوق السود- عام 1943، وفي عام 1948 اصبح سكرتيرا للحزب، وصولا الى رئاسته وهو في السجن الى خروجه عام 1990 وتسنمه رئاسة جمهورية جنوب افريقيا بين 1994 ولغاية 1999..
إيمان مانديلا بالنضال السلمي ليس تعبيرا عن نزعة(غاندوية) تاثر بها في مرحلة من مراحله، بل من منطلق إيمانه بان العنف لوحده قد لايضمن اخذ الحقوق من المستعمرين، بل يحتاج ايضا الى النضال السلمي والثقافي، لاسيما وان هذا اقترن بمجموعة من المتغيرات التي ارتبطت بحياة مانديلا، منها مايتعلق بتاسيسه للذراع العسكري لحزب المؤتمر الوطني الافريقي، عام 1961 والذي تحوّل الى قوة عسكرية مهمة وخطيرة هددت سلطة الفصل العنصري في جوهانسبرغ، لكنها بالمقابل أدت الى المزيد من سياسات التدمير والقتل والتي راح ضحيتها الاف ومنها قتل اكثر من الف طفل في منطقة سويتو..
يقول مانديلا عن هذه المرحلة في سيرته الذاتية التي نشرها في كتاب(مسيرة طويلة نحو الحرية) بان(الحكومة والشرطة كانت اتخذت التدابير لمنع أي اجتماع سلمي وتجريمه، وكانت الأمور تسير تجاه حكم بوليسي. وبدأت أرى أن الاحتجاجات القانونية ستصبح مستحيلة في الوقت القريب، وأن المقاومة السلمية تكون فعالة إذا تمسك من تقاومهم بالقوانين ذاتها التي تتمسك بها أنت، وإلا فلا فاعلية لها. وبالنسبة إلي، كان عدم العنف استراتيجية فقط، ولم يكن مبدأً أخلاقياً. فلا يوجد خيار أخلاقي في استعمال سلاح غير فعال، وإن 50 سنة من عدم العنف من جانب المؤتمر لم ينتج عنها سوى القوانين الظالمة والاستغلال والاضطهاد للأفارقة، وهكذا بدت السياسة التي تهدف إلى إقامة الدولة غير العنصرية عن طريق عدم العنف غير مجدية)
سيرة مانديلا هي سيرة عصر سياسي بأكمله، اذ كان شاهدا من شهوده، وروحا من أرواحه المتوهجة التي ادركت ان نضال الانسان من اجل حريته لاينتهي طالما كان هناك قمع واستعباد، اذ رفض عام 1985 اطلاق سراحه من السجن الذي دخله عام 1963 مقابل ايقاف الكفاح المسلح ضد سياسات الفصل العنصري، وظل حاملا لهذه الجذوة التي اجبرت حكومة جنوب افريقيا على اطلاق سراحه عام 1990 جراء الضغوط الدولية والمحلية، ووسط ارتياح عالمي كبير، وليكون بعد ثلاث سنوات اول رئيس اسود لجمهورية جنوب افريقيا، ولتكون كلمته في يوم التنصيب عنوانا لهذه السيرة الرائدة( كرّست حياتي لكفاح الشعب الأفريقي وحاربت هيمنة البيض بقدر ما حاربت فكرة هيمنة السود. كنت دائماً أرفع عالياً نموذج المجتمع الديموقراطي الحر، حيث الجميع يعطون فرصاً متعادلة ومنسجمة. وإذا اقتضى الأمر سأموت من أجل هذا الهدف).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

اغتيال مسؤول إيراني رفيع بهجوم مسلح

إغلاق حساب باسم يوسف على "إكس" بسبب تغريدة.. ماذا قال فيها؟

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

العالم يتنبأ بندرته.. كيف سيكون مستقبل "الذهب الازرق" في كوكبنا؟

حزب الله يشن هجوما "واسعا" وإسرائيل تتوعد

مقالات ذات صلة

خلفت 13 قتيلاً.. فيضانات مفاجئة تجرف مناطق سكنية في إندونيسيا

خلفت 13 قتيلاً.. فيضانات مفاجئة تجرف مناطق سكنية في إندونيسيا

المدى/ متابعة أعلنت السلطات الإندونيسية، اليوم الأحد، عن مصرع 13 شخصاً جراء فيضانات مفاجئة بسبب أمطار غزيرة أدت إلى جرف مناطق سكنية شرقي البلاد. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مسؤولون محليين قولهم إن الفيضانات...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram