TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مانديلا.. يرحل الجسد وتُخلّد القيم

مانديلا.. يرحل الجسد وتُخلّد القيم

نشر في: 7 ديسمبر, 2013: 09:01 م

 لا ينسدل الستار على سيرة ومسيرة الزعيم العظيم مانديلا برحيل جسده عن هذه الدنيا، فبفضل عزة نفسه وإرادته الصلبة للتضحية بحريته من أجل حرية الآخرين، قام بتغيير جنوب أفريقيا، تاركاً فيها  أثراً لا ينمحي يتمثل في المجتمع الديمقراطي الذي بات مثالا لكل الطامحين للعيش بسلام، وكان مصدر إلهام للعالم، حين طوّع النظريات والقيم لتكون متناسبة مع نضال شعبه، لم تتوقف خطواته التحررية من نظام الفصل العنصري المقيت عند النضال السلمي، حين أملت عليه الظروف التحول إلى العمل العسكري ضد ذلك النظام، الذي حظي بعد نيل مانديلا لحريته بقدر من التسامح غير مسبوق، فقد كان الهدف الأسمى لمانديلا بناء مجتمع جديد يأخذ بالاعتبار الواقع القائم، والتطلعات المنطقية نحو مستقبل أفضل.
 كأي عظيم وضع مانديلا المدماك الأول للدولة المتجددة، ثم انسحب من المواقع الرسمية ليؤكد أن نضاله لم يكن لمنفعة شخصية، أو سعياً وراء الامتيازات، كان تواقاً لممارسة حياة طبيعية، وهو الذي يستلهم العالم من حكمته وتصميمه والتزامه السبل لبناء عالم أفضل، وسيبقى على الدوام في ذاكرة البشرية، كمناضل ضحّى كثيراً، لتمكين الملايين ليس فقط من أبناء بلده، وإنما على امتداد العالم أن يحظوا بمستقبل افضل، وهو القائل إن أهداف ثورة جنوب أفريقيا لن تكتمل قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته، لذلك لم تقتصر نتائج نضاله على ما نشهده من ديمقراطية تسود جنوب إفريقيا فهو يمثل المعركة ضد العنصرية والعنف السياسي وعدم التسامح.
يعترف حتى أعداؤه بأنه كان بطل عصره والكرامة الإنسانية والحرية، وأنه كان عملاقاً يتمتع بحضور طاغ، جسّد وحدة وعزة قارة بأكملها، وشكل إلهاما للإنسانية، بهزيمته ليس فقط للطغيان والعنصرية والفصل العنصري، وإنما للغضب والحقد والعنف ومشاعر الانتقام، تحول إلى مثال يجسد تضامن الإنسانية ضد الظلم والاضطهاد والاحتلال، تحول إلى أيقونة للإنسانية، ورمزاً باهراً للصفح والتسامح، وجنب شعبه حرباً أهلية عنصرية في مطلع التسعينيات، كانت تبدو حتمية، وهو نفسه الذي رأى في لحظة فاصلة أن الاحتجاجات القانونية ستصبح مستحيلة، وأن المقاومة السلمية تكون فعالة إذا تمسك من تقاومهم بالقوانين ذاتها التي تتمسك بها أنت، ولهذا رأى في عدم العنف مجرد استراتيجية فقط، ولم يكن مبدأً أخلاقياً، لأنه لا يوجد خيار أخلاقي في استعمال سلاح غير فعال، ولأن السياسة التي تهدف إلى إقامة الدولة غير العنصرية عن طريق عدم العنف بدت غير مجدية.
يضع مانديلا أسسا للنضال تصلح في كل زمان ومكان حين يؤكد إيمانه بأن على لمناضل من أجل الحرية أن يتعلم ولو بطريقة صعبة أن الظالم هو من يحدد طريقة الصراع، ولذلك فإنه عند نقطة معينة لا يمكن للمرء غير محاربة النار بالنار، ظل طويلاً يسعى لترسيخ هذا المبدأ، دون فقدان بوصلته المبنية على صفح المنتصر، في تجسيد لأرقى أشكال الإحساس بالإنسانية، فلم يكن عقائدياً بالمعنى المتحجر، ولا هو سار في سياق أيديولوجي يمنعه عن استخدام عقله، والعمل بما هو ملائم لكل مرحلة، وهو الذي بدأ عمله السياسي طامحا بأن يلقي المستعمرين البيض في البحر، وانتهى به المطاف رئيساً للبلاد يدعو الى التعايش بين الأعراق.
لم يطلق على نفسه ألقاب التعظيم حين كان قادراً على ذلك، ومستحقاً لها، شعبه من البيض والسود سماه أبا الأمة، وظلّ هذا مبعث فخر يفتقده الكثير من متزعمي العالم الثالث.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram