لايعني انتقاد إعلان إدارة ذاتية للكُرد في سوريا، انعدام التعاطف مع معاناتهم، بقدر ما يعني النظر بعين فاحصة للخطوة التي انفرد بها حزب الاتحاد الديمقراطي، المقرب من النظام اليوم، وبمعنى فهم أن الخطوة مجيرة بالكامل لغير صالح الكُرد في سوريا، حيث تبعد قضيتهم عن الحراك الثوري ضد النظام الحالي، دون ضمان نتائج ايجابية من ذلك، وتستثير عداء أنقره، المعنية أكثر نظراً لتداخل الأكراد على جانبي الحدود مع سوريا، إضافة إلى كون صاحب المشروع هو الحزب الذي يعد عملياً الفرع السوري التابع لحزب العمال الكردستاني، الذي تخشى تركيا أن ينقل ثقله إلى المناطق الكردية في سوريا إذا ما نجح المشروع، كما تستثير عداء أربيل بسبب تفرد فئة واحدة بالقرار، وإقصاء بقية الأحزاب المناضلة عن قرار مصيري كهذا، وبحيث التقت المواقف التركية مع موقف مرجعية أربيل، فإذا أضفنا لذلك رفض الائتلاف الوطني السوري المطلق للخطوة، ووصفه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالتنظيم المعادي للثورة السورية، نكون قد أدركنا أين تقود تلك القفزة في الفراغ.
واقع الأمر أن هذه الخطوة لم تكن ممكنةً بغير تداعيات الأزمة السورية، وفرض الاتحاد الديمقراطي سيطرته على مناطق الكثافة الكردية كقوة وحيدة، وهو يرى أن الإعلان عن خطوته نتيجة طبيعية لما آل إليه الوضع، بعد ما سحب النظام قواته منها، ما يستدعي تنظيم الأوضاع فيها من جديد، وإدارة شؤون الناس وتقديم الخدمات، وتنظيم العلاقات الاجتماعية، خاصة أن هذه المناطق مختلطة سكانياً لجهة المكونات القومية والدينية والطائفية، ففيها إلى جانب الكرد عرب وآشوريون وكلدان وأرمن وسريان وشيشان وتركمان وإيزيديون، وبما يعني أن الأوضاع في هذه المنطقة باتت بحاجة ماسة إلى عقد اجتماعي جديد، لتنظيمها وإدارتها، بانتظار انتهاء الأزمة السورية، ليجري تحديد طبيعة العلاقة مع المركز من جديد.
يلف الغموض القرار الذي يفتقر إلى أية شعارات سياسية، تصب في خانة القضية القومية الكردية، كالحكم الذاتي أو الفيدرالية، ويزداد الغموض بعدم اعلان هدفه السياسي، فهل هي خطوة تستهدف تأسيس إقليم كردستان سوريا، على غرار إقليم كردستان العراق، أم أنها مجرد سيناريو متفق عليه مع دمشق، هذا الغموض هو ما أنتج ردود الفعل الرافضة من تركيا التي أكدت عدم السماح بأمر واقع كردي عند حدودها مع سوريا، وولد قناعة عميقة عند الجميع بأن المشروع، يخدم النظام السوري لجهة خلط الأوراق، كما أنه يمهد الطريق لخطوات قد تصيب تركيا وايران، إن شهدت المناطق الكردية فيها تطورات دراماتيكية، مثل ما جرى في العراق ويجري حالياً في سوريا.
سيفشل المشروع حتماً بسبب تغييب الذات القومية الكردية والانجراف بتبعية إما لدمشق أو لأوجلان، ووقوف إقليم كردستان العراق وهو اليوم يشكل المرجعية الكردية في الموقع المضاد للمشروع، وإن أخذنا بعين الاعتبار أن الحدود الجغرافية للمناطق الكردية في سوريا مغلقة، من جهة إقليم كردستان العراق وتركيا، فيما الحدود مع مناطق الداخل السوري غير مستقرة، وقابلة للتحول إلى مناطق صدام عسكري، في ظل تغير موازين القوى بين النظام والمعارضة على الأرض، ما يصعب مهمة تحقيق أهداف المشروع المتسرع في ما وعد به من تقديم الخدمات وتأمين الموارد المالية والغذائية والطبية في مناطق شاسعة تعادل مساحتها ضعف مساحة الدولة اللبنانية.