في محاضرة شيقة احتفت رابطة النقد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بتجربة الدكتور عبد الهادي أحمد الفرطوسي التي تمتد ما بين الشعر والرواية والنقد ونقد النقد والتنظير الأدبي الأكاديمي. بدأت الأصبوحة بتقديم للضيف المحتفى به الفرطوسي (946+ النج
في محاضرة شيقة احتفت رابطة النقد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بتجربة الدكتور عبد الهادي أحمد الفرطوسي التي تمتد ما بين الشعر والرواية والنقد ونقد النقد والتنظير الأدبي الأكاديمي. بدأت الأصبوحة بتقديم للضيف المحتفى به الفرطوسي (946+ النجف ) نشر أول مجموعة شعرية عام 1965 وشارك في مهرجانات عديدة ، لكنه انكفأ بسبب مواقف النظام السابق منه , وشغل موقع رئيس اتحاد الأدباء في النجف منذ سقوط النظام ويرأس تحرير مجلة (بانيقا ) . أصدر رواية الرجل الآتي ثم رواية الأرض الجوفاء ورواية الزمن الحديدي إلى جانب كتب الشعر (بوصلات ) و ( إنجيل أم أسعد ), وكتب نقدية منها انشطار الرؤيا والذكوات والشقائق .
• افتتح الحديث عن تجربة الفرطوسي الناقد علوان السلمان فقال :-
- سأتناول الفرطوسي من جانب شعري وروائي .
الشعر .. التعبير الوجداني وفلسفة الكلام . كونه حاجة روحية وموقفاً إزاء الحركة الكونية التي يحددها الفكر . القدرة الإنسانية لفك الرموز لغرض تثبيت موقف ومن ثم تحديد خط بياني لإنجاز مهمة عن طريق التعبير الاسمي بتوصيل الصوت لتحقيق المتعة والمنفعة لمتلقيها .
والشاعر عبد الهادي الفرطوسي في مجموعته (بوصلات ) يحاول تثبيت مقدار حسه في بناء علاقة ما بين الذات والذات الجمعي عبر ثماني قصائد ضمتها دفتا المجموعة وإهداء لغسان كنفاني تعبير عن
موقف :- لم تجرفني الموجة
مازالت على ضفتي الأولى
ومازالت شفتي الآخرة
فالقصائد تحفز الوعي وتمنحه فرصة التحول الحسي وترسيخ النضج الفني الذي يحتاج إلى أداء في التقنية الفنية، فكان الشاعر عبر قصائده مؤكدا على دور الفكر في العطاء والمنح ومن ثم رفض المألوف والبحث في ثنايا الوجود من اجل عالم آخر يحقق الطموح ويمنح الخيال الشعري وجودا .
فالفكر الذي منح الشاعر شعورا بالمعاناة جعل تصوره الحسي انتقاليا والأحداث . ( إذ بداية هبوط آدم في أرض الرسالات ( بانيقيا ) ( النجف ) ونشوء بحرها وانتهاءً بالخلافة وتوسد الخليفة صدرها ) مع انسجام جمالي بحكم ارتباط جزئيات الصورة التي رفضت الستاتيكية وخضوع بنائها للدينامية الحركية . فكانت منسابة انسيابا صوفيا هادئا
إذ يحلق الشاعر بعيدا عن واقع مؤلم وقلق مفزع وهو يفتح ذراعيه طائرا صوب فيضه الروحي الذي يذكرنا بروح الحلاج وابن الفارض وابن عربي . وهي منسابة في ثنايا القصيدة بروح صوفية عصرية اختزلت الزمن وعبرت عن الوجود فكانت قصيدة تعتمد الفكرة أساسا في بناء هيكلها الشعري .
وفي مجال الراوية :-
فن الرواية الكينونة الفردية لدى الفرطوسي تشكل التجسيد الأعلى للعبة التداخل النصي . إذ ان كل لحظة من لحظاتها لا يمكن اختزالها لامتلاكها الخصوصية بتوليدها ومن ثم خلق التنوع في الأحداث واتساع العمل . والتنوع هذا والتداخل النصي هما أمران غير زمنيين يمكن إرجاعهما إلى أي مرحلة من مراحل التاريخ كما يقول تودوروف .
والكتابة الروائية هي الفضاء الذي يحتضن الحوادث والحوارات عبر الشخوص التي تتفاعل في بودقة الكاتب بعيدا عن الانغلاق . إذ أنها تدخل المتلقي في عالم مرئي معتمدة السرد والتعلق النصي رؤية واقعية وتحدد موقفا فكريا .
ورواية (الأرض الجوفاء ) للروائي والقاص عبد الهادي الفرطوسي الصادرة عن دار الشؤون الثقافية 2002 تضمنت ثلاثة أقسام اعتمدت التقطيع ، فكان القسم الأول ستة مقاطع والثاني تسعة عشر مقطعا والثالث أربعة مقاطع .بسرد يمزج بين نسقين متداخلين هما : الواقعية الذائبة داخل النسق التخييلي وهي تتركز حول هاجسها وهمها الإنساني المنبثق من واقع متجسد في الحياة اليومية .
فرؤية السارد الاجتماعية تتمحور بصيغة حكائية وحسية . فالحكائية تتوظف عنده كأسلوب للإشارة والتدليل على القيمة الاجتماعية والبعد التحريضي الذي تمتلكه الحكاية المروية ..
ثم تشرع الرواية في كشف عوالمها التي تنوي تعريتها . فتكشف عن بؤس الواقع عن طريق أسلوب التقطيع داخل النص مع خلق جو غرائبي يتعامل مع الواقع دون ان تفقد الرواية تكنيكها الفني . بل تتوظف هذه الغرائبية لتعطي مداليلها لحد ذاتها من اجل الاقتراب من المشاكل التي يعانيها المحيط .. إضافة إلى إعطاء السرد بعدا تشكيليا بوساطة التداعيات التي تتوظف بقصدية ..
• كما تحدث الدكتور عبد الهادي الفرطوسي عن تاريخه الأدبي ونظرية التلاشي التي يكتب بها من خلالها الشعر بطريقة الدوائر أو المثلثات المتشكلة من الكلمات والأحرف. فبدأ حديثه بقراءة نص قصيدة برهان هندسي على نظرية التلاشي التي ينحني فيها النص مع حركة الدائرة. وعقب الناقد السلمان ان هذه التجربة بدأت في الستينات لكنها لم تأخذ حقها من النجاح وهي نفس الطريقة التي كتب بها الشاعر والمعماري قحطان المدفعي . فهو مثلاً _ يعتبر مركز الدائرة حرف الدال ويقرأ منها ثم يكمل بأخذ كلمة واحدة من الشطر ثم يعود ثانية إلى المركز وهكذا . وهذه فيها جمالية رائعة لكنها لم تنجح كما قلنا وتأخذ مدى واسعا .
• ويعود الفرطوسي ليجيب عن تعدد الاهتمامات الأدبية لديه ( شعر , سرد , نقد ) فيقول :-
- أجد نفسي في كل تلك الأشياء لأنها تعبر عن ذاتي بطرق عدة وهو امر طبيعي . والأدب هو حاجة تطلبها النفس والإنسان يلبي تلك الحاجات . ( كما قال الشاعر محمود درويش عن نفس السؤال هو انه يجد في نفسه أداة لتفريغ هذه الشحنات أريد تقديمها للإنسانية ) .
• الشاعر ألفريد سمعان قال :
- الفرطوسي شخصية أدبية مرموقة في العراق ،لكني أشعر بأن الغبن قد نال منه الكثير .وهو أديب متعدد الاهتمامات والمواهب وتمكن من تثقيف الكثير من الأدباء ليس في النجف حسب بل في عموم العراق ,وقدم للثقافة جهدا كبيرا. أتمنى ان يتواصل ولا يتوقف كما توقف من قبل لسنوات طويلة .
وفي ختام الاحتفالية قدم الروائي حميد الربيعي هدية اتحاد الأدباء للدكتور الفرطوسي الذي قام بتوقيع نسخ من كتابه ( يقظة هرمس ) .