تابعت من خلال الإنترنيت والصحف نشاطات ملتقى بغداد للفن التشكيلي ، تابعته من بعيد ولم أستطع الحضور مع الأسف لارتباطي بمعرض شخصي في مكان آخر وفي نفس الوقت شاهدت بفرح افتتاح قاعة أو متحف كولبنكيان ، وكيف اجتمع الفنانون هناك بمحبة وألفة وسعادة تحيطهم الأعمال الفنية كما كان يحدث في تلك الأيام التي ذهبت بعيداً ، حين كانت هذه القاعة تضم أعظم أعمال ومقتنيات الفن العراقي وأقيمت على حيطانها أجمل المعارض الشخصية كذلك المعارض العامة التي اشترك فيها خيرة فناني العراق ورموزه الفنية .
رائعة هذه الحفاوة والألفة التي ينبغي أن تكون ، ومثار فخر هذه الخطوة الجادة في إعادة الحياة لهذه الزاوية المهمة من تاريخ ثقافتنا التشكيلية . لكن ما أثارني هو تذمر البعض ودعوتهم إلى تغيير اسم القاعة إلى اسم آخر لإحدى الشخصيات العراقية وإلغاء اسم كولبنكيان من الوجود وكأنه شخص عابر أو طارئ أخذ مكانة لا يستحقها وجلس في موضع غير موضعه ! . أذكر هنا لمن لا يعرف هذا الرجل ، أن المؤسسة التي تحمل اسمه التي استمرت بعد وفاته ، هي من بنت هذه القاعة وبأموال كولبنكيان الخاصة ، في وقت كان العراق يخلو من قاعات فنية بمواصفات مناسبة للعرض ، إذاً هو الذي بناها مثلما بنى جمعية الفنانين التشكيليين وملعب الشعب أيضاً ، حين كانت الكرة تمارس في أماكن بدائية تقريباً .
لا أفهم سر التكالب في العراق على تغيير الأسماء ، أسماء الأماكن والشوارع والمؤسسات الثقافية وحتى المدن . أعرف أن أشياءً كثيرة يمكن أن تتغير نحو الأجمل والأفضل ، لكن دون المساس أو طمس معالم لها جذورها البعيدة وإلغاء مساهمات شخصيات راسخة في الثقافة والحضارة البشرية . فهذا أمر يدعو إلى التساؤل والغرابة والشك أيضاً . هل يحتاج كولبنكيان منّا أن نحتفي به ، هو الذي يعرف العالم كله مكانته كأهم راعي فن على مر التاريخ ، وهو أيضاً من منح ضوء محبه وثروته ومقتنياته إلى الكثير من بلدان العالم ، كما فعل مع لشبونة عاصمة البرتغال ، التي أهداها متحفاً كاملاً تقدر محتوياته ببضعة مليارات الدولارات ، ومحتويات هذا المتحف كانت تعتبر أكبر مجموعة فنية يملكها شخص واحد .
هو لن يربح كثيراً عندما نذكر أسمه على باب المتحف أو القاعة ، بل نحن الذين سنربح لأننا سننتمي إلى مكانته التي يعرفها الجميع ونظهر نوايانا بالعرفان له ولما قام به . أما الأقاويل التي تقول بأنه بنى ذلك من النسبة التي كان يأخذها من نفطنا ، فهذا أمر يثير السخرية حقاً ، فهذا الرجل كان يحصل على نسبة خمسة بالمئة من أربع شركات كبرى ،منها ( بي بي ) و ( شل ) نظير مساعداته وخدماته في التوسط في شراء النفط ( ومن هنا جاء اسمه ، مستر فايف برسنت ) ، فهو إذاً لم يأخذ من نفطنا أو من حصتنا في النفط ، وكان يبني المشاريع الثقافية في كل العالم . ومن خلال تذوقه المرهف للفن واستثماره لثروته الطائلة بشكل صحيح ، فقد أشبع كل محبته وشغفه في الفن .
وأنا أزور متحفه في لشبونة ، بهرني ( كالوست كولبنكيان ) بتاريخه وأهميته وعظمته . هذا الرجل المحب للفن وصاحب الذوق اللامحدود في رفعته وتحسسه للأعمال الفنية ، هو الذي ولد ( 1869 ) في سكوتاري ( تركيا ) لعائلة أرمنية ، وقد بدأ في سن الرابعة عشرة في جمع الأعمال الفنية والاهتمام بها ، عندما اشترى بضع قطع نقدية قديمة ونادرة من أحد البازارات .
هل ينبغي إحراق كولبنكيان ؟
[post-views]
نشر في: 13 ديسمبر, 2013: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...