TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > قَطَر ملاذٌ للمظلومين!

قَطَر ملاذٌ للمظلومين!

نشر في: 14 ديسمبر, 2013: 09:01 م

عصر العولمة غريب الأطوار بكل تناقضاته، فكل ما تريده فيه ومنه يسيرٌ، وفي متناول اليد، أينما كنت في العالم. وبفضل التكنولوجيا العابرة للهويات، النانوية منها والمحمولة فوق البوارج الحربية العملاقة، تغيرت أقدار الناس وأدوارهم، ولم تعد الدول تقاس بمساحته

عصر العولمة غريب الأطوار بكل تناقضاته، فكل ما تريده فيه ومنه يسيرٌ، وفي متناول اليد، أينما كنت في العالم.
وبفضل التكنولوجيا العابرة للهويات، النانوية منها والمحمولة فوق البوارج الحربية العملاقة، تغيرت أقدار الناس وأدوارهم، ولم تعد الدول تقاس بمساحتها، ولا الحكام بعدد نفوس من يحكمون. ومع ان العولمة في جانب منها مستبدة، محكومة بالقدرة على حشد الجيوش وقوة النيران، فان خصوصية الناس والدول باتت بلا خصوصية، او منْتَهَكة الخصوصية. ولذلك، تستطيع العولمة بما لها من قدرات على الابتكار والتصنيع والتمويه ان تعيد تخليق الناس والدول والحكام، وان تضفي على ملامحهم ما تقتضيه الأدوار، وما يترتب عليها من خطاب ومكانة وحضور.

وليس مهماً في منطق أسياد العولمة وأقطابها ان تمنح دوراً متطاولاً، مركزياً، مفتوناً بذاته، لمن تشاء دون اعتبارٍ لأية توصيفات يتطلبها مثل هذا الدور، في وضع لا يكون للاستقطاب العولمي شأن في تقريره.
والعالم العربي يعيش مثل هذه الحالة النموذجية، ويُحار البعض من أصحاب الشأن فيه، حتى من تتوفر فيه وفي دولته كل مواصفات الأدوار الكبيرة، من التداعيات التي بات عليها ما صار يُعرف بالنظام العربي الرسمي، وما يرتبط به من سياساتٍ وستراتيجيات، تتجاوز الإقليم وما يجاوره الى تحديد السياسة الكونية إزاء مصائر الدول المنخرطة في هذا النظام الذي فقد منذ فترة طويلة، معنى وجوده وقوة تأثيره، خصوصاً بعد ان غيّرت العولمة المستبدة قواعد لعبة الأمم، ومصائر الشعوب، وتحولت في ظلها المعاني والمصطلحات لتتواءم مع مقتضيات الحالة الملموسة للعبة واللاعبين الأساسيين.
قد يكون موضع افتخار للعرب وحكامهم، ان تقوم لهم "دولة" على مساحة لا تتجاوز المقدار الكافي لإقلاع طائرة حربية حديثة دون ان تضطر لاختراق أجواء جيرانها، ويكون ايضاً موضع ترحيب الشعوب العربية ان يتولى مثل هذا الكيان تَمَثُّل أهدافها وتطلعاتها، وان يكرّس ثرواته وما تحت تصرفه، خدمة لتطورها والاقتراب من أمانيها المؤجلة.
وفي لحظة شديدة الالتباس بدت مشيخة قطر، كما لو أنها مطمح عربي شعبي، وهي تطلق قناة "الجزيرة" التي أصبحت حسب شيخها السابق هي الدولة العظمى، ولا حاجة للبحث عن مرادفتها على الخارطة العالمية، اذ قطر هي "الجزيرة"، وهي ملء البصر في كل أنحاء العالم، وهويتها الذود عن الحريات المستلبة في العالم العربي، المنتهكة حرمات شعوبه من قبل حكام
" مستبدين ". والتفاصيل المتبقية عما اصبحت عليه " الجزيرة" القناة والجزيرة المشيخة معروفة للقاصي والداني، بعد ان امتدت أدوارهما الى كل زاوية في المنطقة العربية وعلى الصعيد الاقليمي، خاصة وهما يتحركان في المساحة الممتدة بين "انتفاضة تونس" والثورات في مصر وليبيا واليمن وسوريا، وليساهما في اجتياح رياح مسمومة تستقدم خريفاً مفاجئاً، ينعى ذلك الذي قيل انه " الربيع العربي " !
في إطلالة محسوبة، ظهر وزير خارجية قطر الجديد السيد خالد بن محمد العطية، ليقدم صورة المشيخة بعد التغييرات الدراماتيكية غير المسبوقة في العالم العربي. بل وفي العالم الثالث، لتطيح بالشيخ حمد وابن عمه رئيس الوزراء، وطاقمه الوزاري وفريقه الحاكم، ويتسلم المشيخة ولده. ومع ان احداً لا يعرف حتى الآن سر التغيير، او الانقلاب السلمي، وليس متاحاً الكشف عن أية تأثيرات خارجية كانت وراء ذلك، فان اوساطاً غير قليلة، تمنت ان يتمخض التغيير عن تحولٍ جذري في سياسة قطر، ويحد من أدوارها التي استفزت العديد من الدول والقوى، ومنها مصر، على سبيل المثال، ولا حاجة للإشارة الى العراق الذي عانى ويعاني الأمرّين من تدخلاتها المكشوفة، او من وراء الستار، كما لا ضرورة للاشارة الى المملكة العربية السعودية او الامارات العربية، او الدول الخليجية الاخرى.
ولكن إطلالة وزير خارجية قطر الجديد حملت ما يُشبه القول المأثور "تمخض الجبل فولد فأراً " ! وليته كان كذلك فالسيد الوزير لم يبدر منه ما يوحي بان مشيخته هي في حالة دراسة لنهجها وسياساتها، وهي متوجهة لإعادة النظر فيما يشكل عبئاً عليها واستفزازاً لاشقائها، بل بالعكس فقد بدا شديد الثقة بما تقوم به دولته، مؤكداً على استمرارية سياستها وأدوارها.
يقول السيد خالد بن محمد العطية: " ان قطر ملاذٌ للمظلومين ..!" ، وهو يؤمن بـ " لعب دور بناء في المجتمع الدولي " ، ويرى السيد وزير خارجية قطر، انه اذ يؤكد القيم المذكورة، ينطلق من إحساس بالتواضع والثقة!
لا يكتفي السيد خالد بذلك اذ يمكن القبول بتواضعه، لكنه يقرر من موقعه " المقرر" وبتواضع شديد، وهو يتحدث عن سورية وما يجري فيها، وما يراد لها من حل في اطار " جنيف ٢" ، " ان كل من تلطخت أيديهم بالدم يجب ان يذهبوا الى لاهاي " !، قاصدا بذلك تحديده لاطار الحل باستمرار مسلسل القتل اليومي للشعب السوري، على أيدي الطرفين، النظام الحاكم والتنظيمات التكفيرية الممولة من قطر وغيرها.
بقدر تعلق الإمر بنا ، نحن في العراق، فان ما نعرفه عن المشيخة أنها حقاً ملاذٌ لطابور من العراقيين ممن ينبغي ان يذهبوا الى لاهاي من القيادات الصدامية، فليس فيهم من هو غير ظالم..! مثلما هي بؤرة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وللقيادات التكفيرية من سائر البلدان العربية.
أما دورها "البنّاء" فيمكن التعرف على تفاصيله مما تقوم به المشيخة من تمويل النشاطات الإرهابية، ودعمها لكل ما يجعل منها عراباً للإرهاب والتخريب في البلدان العربية. فهل هذا الدور هو ما يريد ان يواصله الشيخ تميم وفريقه السياسي..؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. طارق الجبوري

    الاستاذ الفاضل فخري كريم المحترم تحليل موضوعي وواقعي للدور القطري غير ان السؤال الاهم هوهذا السكوت من القوى الوطنية سواء في مصر او تونس وغيرها من الاشارة ابان الربيع العربي عن مخلب قطر الواضح في تسيير الاحداث ثم تجييرها لصالح الاخوان لاًحقا ما حول هذا الر

  2. سلام القريني

    الاستاذ الفاضل تحية حب وتقدير ان المقال القى الضوء لى جوانب حساسة ومهمة وكم تمنيت ان يتم التركيز فيه على العنوان الذي لم ينل غير القليل على الرغم من مضمون السخرية التي يجسدها هذا البلد الملغوم بالاسرار والعلاقات المشبوهه كل الاحترام. المخلص سلام القريني

  3. د. محمد معارج

    تحياتي الحارة لكم . ويبدو لي ان نظام العولمة والادوار التي تلعبها بعض الانظمة الصغيرة يكرس بشكل او بآخر نظرية التطور البيولوجية (ومنها نظرية دارون ) في البقاء للاصلح مهما كان صغيرا وليس للاكبر وهذا ما ييمثل بدور قطر (العظمى) ، ويبدو كذل ك ليس لانها قطر ب

  4. د . اياد الجصاني

    احسنت استاذ كريم . ولكنك اخفتني بعنوان مقالتك وصبرت عن ردود الفعل السريعة بعد ان اتفرغ من قراءة مقالتك والسبب هو انك مارست الخداع المسموح به في وسائل الاعلام قبل ان اوجه الاتهامات ضدك .لانك باستعمالك العنوان دون ان تشير معه الى ما يوحي انه ليس من بنات ا

  5. alialsaffar

    الاصابع العشرة تحرك دما كثيرة ,كما ان البالون المملوء هوائا اكبر حجما من عقل الانسان , وكما قال الشاعر الكبير : - ملئى السنابل تنحني تواضعا والفارغات يشمخن عاليا ...

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram