أن تقول (شخص زيتوني) لا تعني شيئاً لثقافة المواطن العربي، خارج العراق، لكنها تعني في ثقافتنا السياسية العراقية: كاتب تقارير بوليسية للسلطة البعثية قد تودي بحياة ومصير عائلة عراقية وأقاربها حتى الدرجة الخامسة.
الزيتوني هو لون مرحلة كاملة، للأسف، في زي موحد لعناصر الدولة والحكومة في زمن صدام حسين (حوالي 36 عاماً إذا حسبناها منذ عام 1968) عام الانقلاب "الأبيض" على حكومة عبدالرحمن عارف.
الشخص الزيتوني يلخّص أخلاق قطيع من العراقيين شملتهم لوثة الخنوع ودودة الولاء للحاكم لأسباب شتى منها: جزء من الوظيفة الإدارية أو الانخداع بالشعار البرّاق للاشتراكية القومية (هي اشتراكية الفوهرر هتلر نفسها) أو ملء استمارة الانتماء للحزب الحاكم مثل ملء استمارة سلفة مالية أو جرياَ على مفهوم ديني: وأطيعوا أولي الأمر... أو التزام بأمر حكومي من أعلى هيئة في الدولة: صدام شخصياً عندما الوزراء كلهم ارتدوا الزيتوني) والخوف قد يكون سبباً رئيساً، جامعاً، للأسباب كلها.
الشخص الزيتوني ضحيّة مثل ضحاياه: هو ضحيّة وعيه وهم ضحيّة وعيهم.. لكنه ضحية وعي جعله جلاداً وهم ضحية وعيهم ليكونوا ضحايا/ شهداء.
.. والشخص الزيتوني خلاصة/ اختصار ثقافة شعبوية، تملي على الفرد – وسيكون جماعة كبيرة – يجاري لغة السلطة وأوامرها ورغباتها وكتبها السرية/ الشخصية للغاية فيربط مصيره بمصيرها، لكنه ارتباط هش، رغم صرامته الظاهرية، والدليل هو ما حدث ليلة احتلال بغداد عندما نزع الزيتونيون ملابسهم وخرجوا عراة من أقبيتهم ونقاط حراستهم وهم يحملون الرايات البيض.
خروج الزيتوني من القبو ونقطة الحراسة عارياً دليل على قولي: ثقافة شعبوية ترتكز على الموالاة، والموالاة، في هذه الحالة، هي الترحيب (إجبارياً!) بالاحتلال والتبرؤ من الانتماء السابق.
الشخص الزيتوني يخرج في ما بعد، إلى العلن، متنصلاً من جرائم أو لا جرائم (فتش عن القانون) وفق شعور شعبوي متداول: آني معليّه، كنت أنفذ الأوامر، وهو تبرير تكرر على ألسنة قادة زيتونيين كبار في المحكمة العليا بعد سقوط نظامهم الزيتوني، وكأن ما ارتكبوه في الحروب وخنادقها الخلفية تم بفعل أشباح.
لكن الشخص الزيتوني في بورتريه متعدد الأشكال: هارب من وجه العدالة أو لم يزل متخفياً أو اختار الصمت، بعد أن ثرثر كثيراً في مديح نظامه الزيتوني، أو لاذ بالشعر والمقالة ليشتم واقع الحال ليزاود علينا نحن الذين قاومنا الزمن الزيتوني وما زلنا نقاوم دولة الطائفة.
الشخص الزيتوني، بعد هذا وذاك، لا يتوانى عن اللجوء إلى انتهازية اللغة، بما أن اللغة مهنية تتيح نفسها لمن يشاء فهو عضو برلمان، اليوم، كما اقتضت ديمقراطية اللغة، أو قائد أمني أو....
هو رأى صوره القديمة التي تداولتها وسائل الاتصال الحديثة في الإنترنت والفيسبوك وتويتر مرتدياً الزيتوني قبل أن يخلعه ليدخل قبة البرلمان ويغمض عينيه بلا خجل.. أي أنه لم يجد حزباً يتقبل زيتونيته فانتمى لكتلة طائفية هي الأخرى خدعت طائفتها نفسها: دولة القانون!
الشخص الزيتوني في صورته الشهيرة على النت والفيسبوك وغيرهما لم يكتف بالتنصل من زيتونيته بل صار مسؤولاً ثقافياً ويدير مهرجانات دولية لكنه وإن رمى بمسدسه في نهر دجلة أو في أقرب حاوية قمامة، كما يفعل المجرمون بعد الانتهاء من جرائمهم، لكنك، أيها الزيتوني، لن تكتشف بالمصادفة السعيدة المحض، كما في السينما، بل إنك اكتشفت منذ زمن بعيد جداً.
الشخص الزيتوني بعد أن ألقى بمسدسه في النهر أو في حاوية القمامة خلع ملابسه ليدخل الحمام لكن ثمة طفل، مثل طفل أندرسون، صاح بأبيه: بابا، هناك أثر لمسدس على جلدك.. عند خاصرتك بالضبط!
الشخص الزيتوني.. بورتريه
[post-views]
نشر في: 16 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
mustafa
الشخص الزيتوني، هو لون مرحلة كاملة، تكتب في مقالتك، وهو صحيح من ناحية الشكل، ولكن هل انتهى على المستوى الذهنى والسلوكي؟ المعطيات اليومية تؤكد العكس، ان الشخص الزيتوني مازال موجودا وحاضرا بقوة، وكل ماقام به هو، استبدال بدلته الزيتونية ببدله سوداءواختلاط