اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الثورة تُكثر انتماءاتها فتسهل خيانتها

الثورة تُكثر انتماءاتها فتسهل خيانتها

نشر في: 17 ديسمبر, 2013: 09:01 م

"وداعاً يا ثورتي" أصعب الكلمات التي كتبها عبدالله رحال الشاب الذي أكمل دراسته في جامعة بريطانية ورفض اقتراح أصدقائه بتقديم طلب اللجوء فيها بعد تخرجه في حزيران 2011، مفضلاً العودة إلى بلاده ليودع البريطانيين بأنه سيستقبلهم في سوريا الجديدة بعد أن تص

"وداعاً يا ثورتي" أصعب الكلمات التي كتبها عبدالله رحال الشاب الذي أكمل دراسته في جامعة بريطانية ورفض اقتراح أصدقائه بتقديم طلب اللجوء فيها بعد تخرجه في حزيران 2011، مفضلاً العودة إلى بلاده ليودع البريطانيين بأنه سيستقبلهم في سوريا الجديدة بعد أن تصبح "سويسرا الشرق".
وبحماس الشاب الثائر خرج عبدالله في أولى أيام وصوله إلى سوريا في المظاهرات السلمية حينها والمطالبة برحيل الأسـد، وفجأة وجد نفسه في تركيا التي هاجر إليها قسراً، كونه لا يؤمن بحمل السلاح، وكان من الأصوات المنادية بالدولة المدنية.

"بعد أكثر من 1000 يوم، نعم فشلت الثورة"، وللفشل أسبابه يقول عبدالله: فلم تعايش الثورة لحظة تأزم منذ انطلاقتها وتقدم ميدانها العسكري كالتي تعايشها الآن، حيث قطع الطريق على التسليح والتضييق على الواقع اللوجستي للثوار، تزامن ذلك مع حركة دفع مادي وبشري لقوى أُخرى إلى الميدان، إضافة إلى الدعم الإيراني الروسي اللامحدود، سياسياً وعسكرياً ومالياً، وعدم رغبة أمريكا بالتخلص من الأسـد إلى فانوس "عفريت الإسلاميين"، فعمدوا إلى تطويل أمــد الصراع.

بعد ألف يوم بلغ عدد الشهداء أكثر من مائة ألف وأكثر من خمسة ملايين مشرد ومهجر في داخل وخارج سوريا، أخذت الثورة طابعاً آخر فأصبحت صراعا دولياً وعرقيا فهل من سبيل للعودة إلى مسار الثورة الشعبية.
ويقول عبد السلام الشبلي (صحفي سوري مقيم في مصر ومن أوائل الشباب المنخرطين في المظاهرات) لـ(؟؟؟): شعور الناس بالخوف واليأس نتيجة طبيعية للوقت، فالارهاق أصاب الجميع، بعد ثلاث سنوات"، مؤكداً على إن القلة فقط تعرف ما يجري على ساحة المعركة، والكثير لا يرى إلا القصف والدمار والتشرد.
ويضيف شبلي إن "إعلام الثورة فشل في إعطاء الناس الزخم المعنوي المناسب للاستمرار على السوية نفسها من الإيمان بالنصر، فقام بالتركيز على جرائم النظام والمشكلات التي خلقتها الثورة، من دون إعطاء جانب إيجابي منها إلا ما ندر"، معتبراً إن كلمة "فشل" مجهضة بحق الثوار، متفائلاً بمؤشرات استمرار الثورة لتحقيق جزء يسير من أهدافها وربما كلها، لافتاً إلى إن أسباب تأخر الانتصار هي عوامل داخلية بحتة.
ويشير شبلي إلى أنه من المبكر جداً الحديث عن خسارة حرب، كون المعركة طويلة وما يخسره الثوار بالأمس في حلب يتم تعويضه اليوم ثوار الغوطة.
من جهته يشير الناشط باسل عبد الله، إلى أنه كان من الأشخاص الذين حلموا بحدوث الثورة، برغم قناعته بأن الثورة حالة خاصة يقوم بها فئة نتيجة فكر ما وآلية للعمل ترسخت لديهم من قبل بتراكمات فكرية ومعرفية، ولكن ما حدث في آذار 2011 لم يكن ثورة بتلك المقاييس، وكانت حراكاً شعبياً أو انتفاضة على الظلم وتسلط الأمن.
ويؤكد عبدالله على ضرورة دعم الثورة بحالة ثقافية وخلفية مدنية، ويعــد أنها فشلت إعلامياً بسبب إظهار الثورة بمظهر مخالف، وتحريف الأخبار بشكل كامل، لكنه لا يؤمن بفشل الثورة كونها كانت نتاجاً طبيعياً لمجتمع يقبع في الضغط والظلم.
ولفت عبد الله إلى إن المعارضة السورية عملت بكل طاقتها لتظهر على الأرض ولكنها لا تملك أية آلية للتعامل مع الواقع السوري، وكانت مجرد ناقلة للحدث، وتتبنى خطاب الشارع من دون تقديم رؤية، مضيفاً "كنا نجد المعارضين الذين قضوا حياتهم في سجون حافظ الأب هائمين على كل قنوات الإعلام من دون أن يكون لهم أفق سياسي يحاكي الحدث"، مشيراً إلى أن مثل هذا النظام يخلق بقصد أو غير قصد، معارضة تشبهه، وإن من بقي عشرات السنين في أقبية مظلمة لن يخرج ذا حالة عقلية ناضجة، ويبدو كالمجنون في الحقـد والثأر من النظام.
ولا يجد عبدالله أية مشكلة في غياب "القائد" كون القائد الحقيقي يجب أن يكون سوريا، ولكن المال السياسي أنتج عددا كبيرا من القادة، وبدأ المال هو القائد العام لفئة من الشعب لتخرج الكثير من لهفات الشارع السوري والتي تقول إحداها "ارخ ِ ذقنك، يُرفع شأنك- حف شواربك، بتملي جيوبك".
وتقول رئيسة رابطة المرأة الوطنية السورية "نسوة" فرح الأتاسي إن أكبر منتفع من حالة عدم التوازن التي أصابت الثورة مؤخراً، هي تلك الأيدي الخفية التي تعمل لصالح النظام، مشيرةً إلى إن هذا النظام لا يحارب ولن يسقط إلا بذات الأسلحة التي يستعملها ضد الثورة.
بدوره يعلق المهندس صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الإتحاد الديمقراطي "أكبر الأحزاب الكردية والمسيطر على مناطق الأكراد" أن الشعور بالفشل يبدو واضحاً على ملامح الشعب، مفضلاً كلمة الإحباط أكثر، قائلاً "الإحباط من الوعود الكاذبة لقوى المعارضة الخارجية التي كان المفترض تمثيل الشعب وتطلعاته منذ بداية الثورة".
وأشار مسلم إلى تهديدات السفير الأمريكي روبرت فورد لقادة الائتلاف، وقوله "إننا أنشأنا «المجلس الوطني» ثم قمنا بتهميشه، وقد «أنشأت الائتلاف» وأنا قادر على فرطه"، معتبراً كلام فورد دليلا على أن المعارضة الخارجية كحجار الدومينو بيــد كل مَن يموّلها.
وبروح مرحة يقول مسلم (هناك مثل كردي يقول: مَن يدفع ينفخ في الصفارة) مشيراً إلى المعارضة في الخارج غير قادرة على الإيفاء بالوعود الرنانة التي تطلقها، لافتاً إلى إن الثورة بدأت تعود لمجراها الطبيعي الصحيح، خاصة وأن الشعب بدأ يعي حقيقة من يستطيع تمثيله، غير الذين قادوا البلاد الى اقتتال، وعملوا على تسليح الثورة بما يتوافق مع جهود النظام، مؤكداً على أنه لو استمرت الثورة على سلميتها "مع حق الدفاع المشروع عن النفس لما دخلنا في كل هذه المتاهات، ولما قدم السلفيون الغرباء عن ثقافة الشعب السوري لأكل أكباد الناس".
وأشار مسلم إلى أن حزبه لا يتبنى مفهوم الفشل ، بل "نظن بأنها لم تستطع الوصول إلى المعنى الحقيقي للثورة، ولإنجاح أي شيء لابد من فهمه والتعرف على جوهره، وما حصل في سوريا هو إن الخلل كان في معرفة الجوهر الحقيقي للثورة من أجل ماذا قامت ، وماذا تريد أن تسقط؟" 
ويضيف مسلم إن "المعارضة لم تكن واقعية ولم تكن بمستوى تضحيات الشعب الذي قدم الغالي والنفيس لإنجاح ثورته"، لافتاً إلى إن التمويل الخارجي مخيف كشبح يلاحق كل ما يعمل على إنجاح الثورة، ولكن هذا لا يعني أن الشعب السوري عاجز على خلق شخصيات قيادية تكون قادرة على التعبير عن مدى حاجة السوريين إلى توحيد صفوفهم وتعبر عن ألمهم ورغبتهم في إنشاء نظام بديل واضح المعالم، ولكن المشكلة تكمن بأن كل من يسمون بالقياديين حتى الآن لم يخترهم الشعب.
ورداً على سؤال (؟؟؟) بأنه بالتوازي مع الثورة السورية كانت هناك ثورة كردية، فإلى أين وصلت هذه الثورة؟ أجاب مسلم "نحن نتحفظ على مفهوم بُعد الأكراد عن الثورة السورية لأننا جزء منها! ونعتقد بأن أولى أسباب تأخر نجاح الثورة السورية هو إتهام الأكراد فيها بسياسة النأي عن النفس، فهذا المفهوم جاء لإفشال الثورة، وإننا الثورة بعينها وعندما نتحدث عن الخيار الثالث نعني إننا جزء من الثورة ولكن عندما تسلحت وتحولت الى صراع على السلطة و قتال أعمى، اخترنا الطريق الذي رسمته أطراف الثورة لتكون سلمية ديمقراطية والتزمنا بــه، ولم نقف إلى جانب النظام الديكتاتوري المستبد ولم نرتم ِفي أحضان السلفية الرجعية التي تريد إعادة سوريا إلى القرون الوسطى، وهذا ما نعنيه". 
وأكد مسلم إن الثورة في "روج آفا" (المصطلح المعبر عن المناطق الكردية في سوريا" هي ثورة حقيقة، وإن المعارضة والقوى الممولة لها تتهمنا بالابتعاد عن قوى المعارضة، والحقيقة هي إن سلوك المعارضة الخارجية لم يختلف عن سلوك النظام الذي كان ينكر الوجود الكردي وكيانه، و"نحن نعيش في حالة ثورة منذ ٢٠٠٤ لإثبات كياننا، ولا يمكن الاتحاد مع معارضة لا تعترف بجوهر ثورتنا؟"، لافتاً إلى إن الأكراد اليوم يعيشون ثورات عــدة داخل سورية، فهم يقاتلون أكبر التنظيمات الإرهابية وأخطرها كما أنهم يقاتلون النظام أيضاً في ظل تعتيم إعلامي يثير الشبهات، وإن الكرد يحاولون بناء إدارتهم وتأسيس ديمقراطيتهم لحين تحقيق الحل الشامل وإن تلك الإدارة يمكن أن تكون الحل لكل شعوب المنطقة.
من جهته يرى جهاد درويش (مصور كردي) أن حالة الإحباط طبيعية وردة فعل على تسليح الثورة وانتقالها من المدنية إلى قتال مسلح لفصائل لا تشترك مع بعضها بالنهج ولا تتبنى مضمون الثورة المدنية التي كانت مطلب الشارع السوري، مشيراً إلى أنه بالإمكان إطلاق مصطلح "فشل الثورة" بعد ان استلم الرصاص دفــة القيادة, سواء من قبل المعارضة أو النظام الحاكم، وتحوّل الساحة السورية إلى ساحة صراع, مؤكداً على إن ذلك الصراع حمل معه متغيرات سلبية, واعتبر أن أداء المعارضة لا يقل أبداً عن أداء التنظيمات العسكرية, وأنها لم تستطع بناء جسم عسكري كامل لمواجهة آلة النظام القمعية.
وأشاد جهاد بما يحدث في المناطق الكردية، ووصفها بالثورة المنتظمة, كونها اعتمدت في الدرجة الاولى بناء المؤسسات المدنية بأبسط الامكانيات وذلك لحساب ما أن يسقط النظام في سوريا تكون المناطق الكردية في حالة مستقرة وبعيدة عن الفلتان الأمني والتنظيمي, وانبثق عن الانتظام فصيل عسكري موحد ذو قيادة، تكمن مهامها حماية الأكراد من حالة الدمار التي شهدتها معظم المدن, وهذه القوة صمدت في وجه الحصار المفروض عليها بشكل مدروس، وعــدَّ أن الكـرد شاركوا مع كل المكونات الأخرى بتشكيل إدارة مؤقتة لكي تكون مثالاً عن ثورة الحرية في سوريا.
ربما نسينا كلمة "المظاهرات" في الثورة السورية لأن الأمر كله أصبح عسكرياً، لذا كثرت الطرق المؤدية إليها، لكن ما يزال المــد الثوري قائماً على قدم وساق، وإن تخصيص مصطلح "الفشل" لوصف الثورة يعد خطأ مساوياً لسوء الحسابات الذي واكب كل الثورات الوليدة منذ البداية. 
لم تفشل الثورة، لكنها لم تنجح أيضاً، لقد تحدت ببساطة الوضع القائم كما لم يحدث أبداً من قبل، وسيحدد حاصل الصراعات الجديدة سياسات المنطقة، ومستقبلها، والعلاقات بين الحكومات وبين الأجيال العربية التالية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سوري كردي

    بالفعل عليها القول وداعا ثورتي فبعد كل ما حصل ويحصل أصبحت الثورة السورية كمن يلملم الجريدة وسط العاصفة تحقيق رائع

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram