داخل سوق هرج في منطقة الميدان، يقع مقهى يستقبل عشرات المكفوفين الراغبين في مزاولة لعبة "الدومنة" باستخدام حاسة اللمس ، صاحب المقهى يستقبل رواده من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء ، الرواد استغنوا عن الكهرباء وحاجتهم اليها تكون في فصل الصيف فقط ، عندما ترتفع درجات الحرارة.
رواد المقهى يجيدون لعب الدومنة بأنواعها ، الآزنيف والطيرة والعدلة على المكشوف، والفريق الخاسر ملزم بدفع "الجايات" ، لاسيما وانهم ابرموا اتفاقاً بتحريم لعب القمار فسبقوا المبصرين في التمسك بوثائق الشرف ، وهم بالكاد يحصلون على دخلهم اليومي ، واغلبهم يزاول العزف على آلات موسيقية او قراءة المنقبة النبوية ، وحضورهم اليومي الى المقهى يوفر لهم فرصة عقد الصفقات مع الراغبين في خدماتهم سواء في مجالس العزاء ، او في إقامة حفلات الأعراس ، وأجورهم اقل من المبصرين.
في المقهى أعراف يلتزم بها الجميع ومن ابرزها انهم وضعوا جدولا يتضمن أسماء قراء المنقبة بحسب التسلسل لتسهل للزبائن اختيارهم على وفق هذا النظام ، وهذا الأسلوب حقق العدالة بينهم وليس من حق احدهم التجاوز على دور الاخر ، فالجميع متساوون بالقدرات ، وفي مواسم كساد العمل يكون الاول في التسلسل رئيس الفريق ، فيضم الآخرين الى الجوقة وضاربي الدفوف.
رواد المقهى من المبصرين يجدون متعة كبيرة أثناء مشاهدتهم طريقة المكفوفين في لعبة الدومنة ، على المكشوف وتنظيم أمورهم الشخصية بموجب اتفاقات سابقة ، فمن يطلب المال منهم لحاجة ملحة يجمع له خلال دقائق ، ومن يتطرق للحديث في السياسية يرتفع اكثر من صوت يمنعه من إثارة الصداع ووجع الرأس ، فالسياسية بالنسبة لهم لعبة غير مكشوفة غامضة فيها من الرياء والكذب والمخاتلة ، يفضلون الابتعاد عنها ، ولتوفير أجواء ملائمة تناسب أمزجتهم وفر لهم صاحب المقهى أغاني الجالغي البغدادي ، تبث من خلال "المسجل أبو البكرة " .
برلمان المكفوفين وصف اطلقه المبصرون على المقهى لاعتماد رواده على قواعد وأسس حققت الانسجام الكامل وتبادل المنفعة ، ومنعت إمكانية بروز أي خلاف يهدد تماسك وحدتهم فاللعب على المكشوف من شأنه ان يحد من التطلعات غير المشروعة ، والابتعاد عن الحديث بالسياسية ودهاليزها وفر لهم راحة البال والاطمئنان ، لكنهم كغيرهم يعانون تدهور الأوضاع الأمنية ، وسوء أوضاعهم المعيشية ، وعلى الرغم من ابتعادهم عن متابعة الأخبار وجلسات مجلس النواب ، ودوره في تشريع القوانين ذات المساس المباشر بحياة العراقيين ، قام في احد الأيام احدهم بإعلان شكواه وقال بصوت عال على طريقة أداء فصل من المنقبة النبوية ما معناه بان نواب الشعب خانوا الأمانة ، فأثار الصوت مشاعر الحاضرين فارتفع الأنين في المقهى ، واغلق صاحبه المسجل ليوفر للزبائن الاستمتاع بمنقبة نبوية في برلمان المكفوفين ، انتهت بالدعاء للمسؤولين والرموز السياسية بان يحفظهم ويسدد خطاهم في خدمة شعبهم المنكوب .
برلمان المكفوفين
[post-views]
نشر في: 17 ديسمبر, 2013: 09:01 م