تأكيداً على تخبط السياسة الأميركية، وتعدد مراكز القرار وتباينها إزاء ما يجري في سوريا، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري رجح أن تستأنف بلاده سريعاً المساعدة شبه العسكرية للجيش السوري الحر، بعد تعليقها قبل أيام بسبب سيطرة الجبهة الإسلامية السورية، على مخازن سلاح لذلك الجيش، على مقربة من الحدود مع تركيا، لكنه أضاف أن المطلوب ضمان وصول تلك المساعدة إلى أيدٍ أمينة، وأكد أن واشنطن تعتمد النشاط الدبلوماسي لحل النزاع في سوريا، البلد الغارق في بازار من المواجهات الدينية مع كل أنواع التدخلات، ما أتاح الفرصة لتنامي دور المجموعات المتطرفة، وبحيث باتت بعض المناطق السورية تخضع بشكل كامل لسيطرة تنظيم القاعدة.
يبدو أن ذاكرة الساسة الأميركيين بحاجة إلى جرعات إنعاش، لتذكيرها أن عسكرة الثورة السورية، أتت رداً على وحشية الرد الرسمي على الاحتجاجات المشروعة للمتظاهرين السلميين، حيث نشأ الجيش الحر من مجموعات من الضباط والجنود المنشقين عن الجيش النظامي، وتمكن هؤلاء من مد سيطرتهم على مناطق واسعة في سوريا، وبحيث بات النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط، بعدما وصلت طلائع هذا الجيش إلى محيط العاصمة، واختراقه في كثير من الحالات لتحصيناتها، ما دفع الأسد للاستنجاد أولاً بقوات حزب الله، التي اندفعت مذهبيا للدفاع عن دمشق واستعادة القصير والقلمون، وكان رديفها مجاميع من الطائفيين العراقيين المتعصبين، غُسلت أدمغتهم فعادوا للعيش قبل أكثر من ألف عام، متوهمين نصرتهم للإمام الحسين وآل بيته الكرام.
الخطوة التالية للنظام تمثلت بالإفراج عن المعتقلين المنتمين لتنظيم القاعدة، الذي كان محل رعاية الأسد، ويحظى بالتدريب والتسليح وكل التسهيلات لتنفيذ عملياته الارهابية في العراق، وبعدها تحول العديد من أفراد هذا التنظيم الى أدوات بيد النظام، شكل هؤلاء ما سمي بجبهة النصرة، مستقطبين كتائب من الجيش الحر، كانت بجاجة للسلاح والمال المتوفر عند الجبهة المدعومة من مشيخة قطر، وكان رديف هؤلاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي قويت شوكتها بعد عملية الفرار المشبوهة، لعدد من قادة القاعدة و"مجاهديها"، من سجن أبو غريب العراقي، بتواطؤ مكشوف من جهات في الحكومة العراقية، ربما تنفيذاً لأوامر من طهران، وبهدف خلط الأوراق، والإيحاء للغرب بأن الأسد يخوض حرباً ضد التكفيريين المتشددين المعادين لاسرائيل.
باريس كانت العاصمة الأكثر تنبهاً لهذا السيناريو، ولذلك كانت ضد تراجع واشنطن عن القيام بعمل عسكري لنصرة الجيش الحر، الذي يخوض حرباً ضد جيش النظام وتنظيمي النصرة وداعش، وكانت السياسة الفرنسية ترى أن التداعيات التي خاف منها الأميركيون أهون من الانعكاسات المترتبة على عدم القيام بالضربة، وأن تراجع أوباما كان بمثابة الضوء الأخضر للأسد بأن واشنطن تريد بقاءه على رأس السلطة، وتمنحه الفرصة لتحقيق تفوق ميداني، وكان صاحب القرار الفرنسي على ثقة بأن الأسد أتقن لعبه الجهاديين والتكفيريين، مُقنعاً الأميركيين بقدرته على أن يكون رأس الحربة في قتالهم، مُعتمداً ضعف ذاكرتهم، ونسيانهم أنه هو من استخدم انتحاريي القاعدة في العراق، وساعد الجهاديين في سوريا، عندما أفرج عن المئات منهم، ومكنهم من الاستيلاء على أكبر مخازن السلاح العائدة لجيشه، ليستخدموه في حربهم مع الجيش الحر.
اليوم تحاول وزارة الخارجية الأميركية، فهم كيف كانت غارات الطيران السوري تستهدف مواقع الجيش الحر، خلال معركته مع داعش في مدينة اعزاز قرب الحدود التركية، ما يدفعها للتجاوب مع الرؤية الفرنسية الداعية لاستمرار دعم المعارضة السورية الوطنية سياسياً وعسكرياً، قبل أن تتمكن القاعدة، وهي لا أمان لها، من كسب المعركة ضد الجيش الحر، وجيش الأسد في مرحلة لاحقة.
واشنطن ومخاوف الفرنسيين من الأسد والقاعدة
[post-views]
نشر في: 17 ديسمبر, 2013: 09:01 م