نختتم هذه السنة بكثير من الموت، دونما تراجع لأفعال الحمقى الذين يحملون السلاح والديناميت، على جبهتي النزاع، والذين لا يكفون عن التسابق في تأكيد مستويات حمقهم، وقصور عقولهم عن مسؤوليات التدبير والحكمة. لكن هذه السنة، حملت معها مؤشرات جديدة لم تكن في السابق بهذا المستوى من الوضوح والترجمة العملية، وتضمنت عوامل تجعلنا نتمسك بالقول بأن بلادنا تشهد تغييرا وتصحيحا رغم كل بطئه ومنغصاته وعوائقه.
فكل الزيت الذي جرى صبه على نيران الانقسام الطائفي، وكل قطعان الحمقى الذين نفخوا في اللهب، لم تمنع أصوات الاعتدال من ان تنطلق على لسان كثير من شيوخ هذه البلاد وشبابها، ساخرة من مزاعم الطائفيين ومحاولاتهم الصبيانية لحشد الجماهير خلفهم.
وقد كنا قبل سنة وفي لحظة تأزم طوزخورماتو وانطلاق تظاهرات المنطقة الغربية، نتشكك ونرتاب في الوجهة العامة، ونخشى ان ينزلق الممثلون الرئيسيون لموازين القوى، نحو ما يريده ممثلو نوايا التطرف. الا ان الشهور التي مرت بصعوبة منحتنا أملا كبيرا بأن شريحة واسعة من النخبة والجمهور، بدأت تراكم خبراتها وتجد الجرأة لتجربة نمط اكثر نضجا من إدارة الصراع.
ولذلك تعرض معظم الطائفيين الداعين الى الحرب ومنطق الموت، سواء كانوا في السلطة ام خارجها، الى هزائم منكرة على يد الجمهور، في الاقتراع الأخير، وفي الاحتجاجات التي زخرت بها شهورنا المنصرمة ضد امتيازات المسؤولين، وانتهاكاتهم، وسوء إدارتهم، الدعوات والمنادية بالتعقل والتحلي بالمسؤولية.
خلال هذه السنة انطلقت عشرات المبادرات الشبابية الحلوة، التي تسخر من تفاهات تنظيم القاعدة، وتخريفات واثق البطاط، على حد سواء. وبموازاتها كانت هناك سياسات تصحيح وتقويم جادة، خربت أحلام السلطان الذي كان يتطلع الى مخادعة الشيعة وتزعمهم في حرب بسوس جديدة، وكان للصدر والحكيم كأس معلى في تسفيه ذلك.
كما برهن الممثلون السياسيون لنينوى والأنبار، على ان العنف ليس طريقا للحل، وان صناديق الاقتراع وبناء التفاهمات الناضجة، هي خارطة طريق وحيدة.
لقد كان الأمر اختبارا عسيرا للجميع، رغم ان اللوحة على الأرض بقيت محتجزة بمنطق الكآبة، وبسيطرة إرادات الحمق ونقص التدبير، على مساحات واسعة داخل دولتنا اللا دولة، وداخل مساحة جنون وعبث "داعش" وأخواتها، ونظرائهم من الطوائف الأخرى. لكن العام الذي ينتهي بدا كافيا للبرهنة على ان المجانين فشلوا في التحكم بالمشهد، وأن اندفاعاتهم مهما كانت قاسية ومتظاهرة بالسيطرة، تعجز عن كسب ثقة الجمهور، الذي نجح في تصميم رسائل كبيرة تناهض الحرب وتطالب بالسلام والتسويات الكبرى.
ان قياس الزمن السياسي بين شتاء ٢٠١٢ والأيام الأخيرة لهذه السنة، يفيد بأن رصيد الحكمة قد رجح أمام القوى المتلفعة بأحزمة الموت. ودونما زعم بأن حصيلة الحكمة ستعني نهاية سريعة لفصول العنف، يكفي لدرس العام المنصرم انه رسم لنا خارطة طريق واضحة نحو تغيير بمعاني كبيرة في ٢٠١٤. لقد اصبح المطلوب فعله واضحا اكثر من اي وقت مضى، وتبددت الريبة الى حد كبير، بين الأطراف القادرة على التعقل، اكثر من اي وقت مضى. وصارت صفقة الداخل لأول مرة، مؤهلة لان تفرض شروطها على متطلبات الخارج ونفوذه.
في هذه السنة أيضا، امكن لنا ان نميز بين عدمية الرفض السلبي المطلق لكل الوان السياسة، وبين حوارات نادرة انطلقت بيننا نحن اللا منتمون، وبين العديد من ممثلي الأطراف السياسية، في اكثر من أزمة. وأمكن لنا ان نرسم جدوى الحوار المفيد بين العلمانية وشريحة أساسية من الإسلام السياسي في العراق، وكان لبعض مواقفنا مضمون تشجيعي لخيارات التعقل. كما كان لبعض خطواتهم مضمون يدلل على ان العراق مستعد للتغيير، وأن الحكمة يمكن ان تجد طريقها الى خياراتنا، وان الاندفاع الأعمى في دوامات الزعيق والدم، لا يليق بهذه الأمة.
لقد كانت سنة اختبارات عسيرة لنا جميعا، مثلما شكلت نواة للتصحيح والأمل المبني على وقائع، بتخفيف سوء المستقبل الأكثر صعوبة في الشرق الأوسط.
عام لتخفيف سوء المستقبل
[post-views]
نشر في: 18 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 8
كاطع جواد
الكثير من الناس وحتى من الشعوب من يتعظ من تجارب غيره لكن عندنا في العراق وللأسف الشديد لانتعظ حتى من تجاربنا !! عشر سنوات مرة على العراقيين وهم يتناحروا والنتيجة من الخاسر أليس هم العراقيون أنفسهم ..لكننا نأمل ويأمل كل الخيرين من أبناء هذا الشعب المحطم ال
faris
ﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺍﻧﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺳﻠﻂﻪ ﻟﺠﻌﻠﺘﻚ ﻳﺎ ﺍﺳﺘﺎﺫ ﺳﺮﻣﺪ ﻛﺎﺗﺐ ﺧﻂﺎﺑﺎﺗﻲ .ﻓﻠﺎ ﺍﺣﻠﻰ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺮﺻﻴﻨﻪ ﻭﻟﻐﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻪالمنمقه ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﻩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺎﻳﺎﻡ ﻣﻦ ﻗﺎﻣﻮﺱ ﺳﻴﺎﺳﻴﻨﺎ .
سعد الدباغ
ابتسم. فإنّ بعد هذا الليل فجر يرتسم.
بطارسة
ليست لنا معارضة فكرية مثقفة مدنية ، تطالب وتنتقد وتحقق في قرارات الكتلة المؤيد للحكومة ، نحن بحاجة ماسة لمعارضة فنية بمختلف المجالات تكون معارضة برلمانية تترصد الاخطاء قبل ان تنزل الى مجال التنفيذ وتؤدي أدائها الرديء قبل ان تصبح معالجتها صعبة وباهضة. وأيض
ياسر الحلفي
الاستاذ سرمد الطائي كلامك يوحي بان العراقيين هم اصحاب القرار والتغيير وان بيدهم مفاتيح البلاد ونسيت ان ايران والدول المجاورة للعراق هي من ترسم ادارة وملامح الخارطة السياسية للعراق والعراقيين وانت تعلم جيدا بان جميع الساسييين هم ادوات بيد الدول المجاورة .
ابو سجاد
استاذ سرمد نريد من كادر المدى ان يتابع قضايا العراق المهمة التي تناولتوها في كتاباتكم وخصوصا قضايا الفساد مثل صفقات السلاح الفاسدة واين وصل التحقيق بها وسرقات المصارف ومن قام بسرقتها ودائرة البعثات والوزراء الهاربون والقادة المطلوبين للعدالة امثال طارق ال
كاظم الأسدي
من أساسيات الحكمة معرفة موقعك الحقيقي بين التيارات المتلاطمة والمنحاصصة المسؤولية في هول التداعيات المأساوية العراقية ؟ ومن أساسيات الوطنية الشجاعة في فضح عيوب الحاكم وتعرية وجهه الحقيقي الكالح ؟ وقد جمعت الإثنين وأبدعت فيهما !! وباتت رؤاك التنويرية الأمل
مثنى ابراهيم عبدالله
سلمت يداك على نهجك المضوعى والوطنى املنا بامثالك الخيريين للتخلص من الطائفيه