بيتر أوتول رحل عنا ، هنا أقوم بعملية بحث سريعة في ذاكرتي التي بدت أكثر وضوحا من ذي قبل بسبب أنها سوف تتحدث عن أكثر الرجال شهرة في عصرنا ، ودهشتي تكمن ليس فقط في وسامته ، ولكن بصوته الفذ على وجه التحديد النابع من أعماق روحه الذي اهتزت له جنبات ا
بيتر أوتول رحل عنا ، هنا أقوم بعملية بحث سريعة في ذاكرتي التي بدت أكثر وضوحا من ذي قبل بسبب أنها سوف تتحدث عن أكثر الرجال شهرة في عصرنا ، ودهشتي تكمن ليس فقط في وسامته ، ولكن بصوته الفذ على وجه التحديد النابع من أعماق روحه الذي اهتزت له جنبات المسارح وصالات السينما عقودا طويلة ، ومع أنه كان أنيقا في كل شيء إلا أن هناك مسحة مميزة من اللامبالاة قد تبدو عفوية لديه في أغلب الأحيان ، وفوق كل هذا كان يبدو أوركسترا من المشاعر لا يمكن أن يمتلكها فنان آخر .وقصة حياته تبدو عادية جدا حيث ولد عام 1932 في آيرلندا ( أب آيرلندي وأم أسكوتلندية ). وقد بدأ حياته العملية عاملا فنيا في إحدى الصحف الصادرة في يوركشاير ثم توجه بعدها إلى المسرح بعد بلوغه السابعة عشرة من العمر ليلتحق بعد ذلك في سلاح البحرية البريطانية كعامل للاتصالات ، ثم عاد إلى حياته المدنية بعد عامين لينخرط في دراسة الدراما بجانب ثلاثة آخرين أصبحوا نجوما في السينما الإنكليزية ،هم ريتشارد هاريس و الآن بايتس وألبرت فيني ( الأخير هو وحيدهم الذي لايزال على قيد الحياة ) ، بعد ذلك بسنتين التحق بفرقة " رويال شيكسبير كومباني " التي أدى معها ستين عملا مسرحيا كلاسيكيا منها " الملك لير " و " هاملت " و " ماكبث " و " روميو وجولييت " .
بعد مجموعة واسعة من الأعمال الفنية التي برز فيها وتعرف عليه الجمهور كفنان جاد سواء في المسرح أو السينما اختاره ديفيد لين ليضطلع ببطولة فيلم " لورنس العرب " عام 1962 الضابط الإنكليزي الشهير الذي لعب دورا أساسيا في هزيمة الأتراك في جزيرة العرب الذي سيشكل بعد ذلك العلامة الفارقة له في حياته الفنية عالميا ، كان أداء أوتول فيه أداءً عبقريا ،فمع وسامته المعهودة بدا فنه أكثر ما يلفت فيه انتباه الجمهور له ، حيث جسد في تلك الشخصية باقتدارعال سلوكياتها وباقي تفاصيلها ما جعل من ديفيد لين يستغرب كيف لم ينتبه له منذ البداية وحيث يحار المشاهد في معرفة أيهم لورنس الحقيقي .
تحول ديفيد لين بممثله أوتول عام 1962إلى أيقونة عالمية بعد عرضه الفيلم ، لكن الأخير وضع الصحراء بأسرارها جانبا ليقدم أعمالا أخرى لا تقل أهمية عنه مثل " بيكيت " عام 1964 " الذي دارت أحداثه في حقبة الملك هنري الثاني حيث تناول بشكل رئيسي حياة توماس بيكيت راعي الأبرشية الذي مات مقتولا سنة 1170 وقد لعب دوره ريتشارد بيرتون ثم " لورد جيم " عام 1965 من إخراج ريتشارد بروكس عن رواية لجوزيف كونراد ، وفيلم " ممر إلى الهند " عام 1984 من إخراج ديفيد لين أيضا .
عانى أوتول في سبعينات القرن الماضي ونتيجة لتناوله الكحول والتدخين المفرط من أحد أخطر السرطانات هو سرطان المعدة الذي اشتد عليه كثيرا ، إلا أنه قهره وتغلب عليه أخيرا ، لكنه ترك آثاره على جسده ،فبدا هزيلا وهو يقوم ببطولة فيلمه " فينوس " عام 2006 لتعود صحته بالتدهور ثانية خاصة العام الماضي بشكل خاص ،فأعلن اعتزاله لعمله السينمائي والمسرحي حيث كان قد ظهر في أعمال بدا فيها ضعيفا بشكل مقلق وحتى مشيته بدت مترنحة ، لكنه كان رائعا في تمثيله بشهادة من وقف أمامه كليزلي فيليبس وفانيسا ريدغريف من إخراج روجر ميشل تخلى بعدها عن مشاركته التمثيل خاصة مع ممثلين آخرين بالمسرح الشكسبيري في لندن المدينة التي اختارها للإقامة فيها معظم حياته والتي ودعها قبل رؤيته العام الجديد الذي كان يأمل استقباله بالأغاني كما كان يفعل في كل عام .
عن/ وول ستريت جورنال