تؤشر دعوة اسماعيل هنيه، رئيس وزراء حكومة حماس في غزة، للرئيس محمود عباس إلى تشكيل حكومة توافق وطني، بعد اجتماع لما سماه القيادة الوطنية العليا، إلى انفصال عن الواقع، وتخبط سياسي شديد الوضوح، إذ يعني قبول هذه الدعوة الوطنية في ظاهرها، والمطلوبة شعبياً، الاعتراف بأن منظمة التحرير الفلسطينية، التي قادت النضال، ما يقرب من نصف قرن، وأعادت القضية الفلسطينية إلى بؤرة اهتمام العالم، ليست قيادة وطنية، لمجرد أن حركة حماس، وهي فرع من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لم تنخرط في نضال المنظمة الوطني، وفضلت الوقوف على الضفة الأخرى، ومناكفة أي إنجاز لقيادة المنظمة، حتى وإن كان واضحاً أنه يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته.
رغم اعترافه وتأكيده أن الانقسام الفلسطيني، وهو كما ينبغي القول أهم إنجازات حماس، هو أحد الأسباب التي دفعت الاحتلال إلى التغول ضد المسجد الأقصى وفلسطين، فإنه يحاول التهرب من المسؤولية، بإشارته إلى أن الفراغ السياسي، والانحياز الأميركي للاحتلال، واهتمام العرب بشؤونهم الداخلية على حساب القدس، كانت أسباباً مُضافة لذلك التغول، وكأن كل ذلك لم يكن أكثر من تداعيات الحركة الانقلابية التي قادتها حماس في القطاع، وتعاملت خلالها مع المناضلين الفتحاويين، باعتبارهم أشد عداوة من الصهاينة المحتلين، فألقت بهم من أسطح المباني، في حين تفاخر "مجاهدوها" بالدوس على صور الرئيس أبو مازن.
واضح أن الشيخ هنيه أدرك ولو متأخراً حجم المأزق الذي قادت إليه سياسات حركته، فاستعدت عليها الجميع، وهو هنا يحاول مغازلة القاهرة، بإبداء الحرص على الأمن المصري، والاستعداد لحمايته، وكأن مصر أم الدنيا والدولة المحورية التي تمتلك تاريخا يمتد آلاف السنوات بحاجة لحركة تتخبط في مهدها لحماية أمنها، وفي خلطة عجيبة يعلن الشيخ أبو العبد أنه لا غنى لحماس عن سوريا وإيران وقطر والسعودية ولايأخذ بعين الاعتبار ما يجري في الإقليم من تغيرات جذرية تتجاوزحركته، بعد فشل رأسها المتمثل بقيادة التنظيم الدولي للإخوان في كل تجاربه، التي كانت مؤيدة من الغرب، لحكم المنطقة قبل أن ينصرف عنها، نتيجة العقلية الاقصائية والتهميشية السائدة فيها.
فقدت حماس دخلها من أنفاق التهريب، نتيجة تعاملها الساذج مع التطورات في مصر وفقدت الساحتين السورية والمصرية، وإلى حد ما فترت علاقتها بحزب الله وايران، باستثناء قطر فإن دول الخليج من الاصل لم تكن راغبة في تنمية علاقات مع فرع الاخوان الفلسطيني على حساب العلاقة مع منظمة التحرير، هي بالأساس لم تبن علاقة مع العراق، خسرت بانقلابها ساحة الضفة الغربية، ظلت علاقتها جيدة نسبياً وإلى زمن لن يطول مع تركيا بحكم انتماء الحزب الحاكم فيها لجماعة الإخوان، ومع ذلك يكابر رئيس حكومتها المقالة، فيطالب بقيادة وطنية عليا، ليكون طرفاً أساساً فيها، وكأن فلسطين وقضيتها تفتقر لتلك القيادة، وهذا تعبير عن إفلاس، يُراد التستر عليه تحت يافطة وطنية، غير ان اللعبة مكشوفة أكثر مما يتوهم.
جرّب الفلسطينيون حكم حماس، حين انصرفوا عن فتح ومنحوها ثقتهم، قبل الرئيس عباس الخيار الشعبي ورضخ له، لكن الحماسيين وقد أخذتهم العزة بالإثم، توهموا أنهم ملكوا زمام الأمور مرة واحدة وإلى الأبد، غير أن كشف الفلسطينيين لزيف شعاراتهم بعد عقدهم هدنة مع العدو الصهيوني ورفض العالم لتشددهم الذي يقود إلى الإرهاب، يجبرهم اليوم على العودة إلى الأصل، ومع ذلك يناورون بخبث مكشوف ومفضوح.
حماس تكتشف مأزقها
[post-views]
نشر في: 25 ديسمبر, 2013: 09:01 م