وأنا أتجول بين أحضان متنزه (بورغيسه ) في روما ، لفت انتباهي شارع صغير وأنيق ، حاولت أن أكمل مسيري باتجاه مختلف حيث كنت أنوي الذهاب إلى متحف الفن الحديث ، لكنّ شيئاً ما جعلني ألتفت لقراءة اسم هذا الشارع الصغير ، كانت بالفعل مفاجأة مدهشة من العيار الثقيل ، فالشارع الأنيق هذا كان اسمه ( شارع أحمد شوقي ) فرحت حقاً وأنا أقرأ اسم أمير الشعراء بالحروف الإيطالية على يافطة جميلة ، أخذني الفضول بأن أسير في هذا الشارع حتى نهايته . سرت بين الأشجار التي تحيط بالشارع وتليق باسم شاعرنا ، كلي فخر واعتزاز بذلك وقد امتلأ رأسي بأسئلة كثيرة وعجيبة ، لكن قبل أن أجد إجابات لأسئلتي المحيرة تلك ، وجدتني أقفز فرحاً من جديد وأنا أبتسم ثم أطلق ضحكة كبيرة وأنا أشير إلى نهاية الشارع بطريقة تبدو استعراضية وبتوق يملأه الجمال ، فقد رأيت تمثالاً كبيراً ومدهشاً من البرونز يمثل الشاعر شوقي ، ثمثالاً في غاية الروعة والبراعة والتنفيذ ، وقد كتب على قاعدته الضخمة أبيات من شعر أحمد شوقي ، احتفاءً به وبما قدمه من إبداع .
سألت نفسي لماذا قام الإيطاليون بذلك ؟ كيف خصصوا مكاناً في روما المدهشة ، لشاعر عربي ؟ أتخيل الآن بلدية روما وهي تتفق مع واحد من أهم نحاتي إيطاليا ليقوم بإنجاز ثمثال لشاعرنا ، شاعرنا الذي نسيناه نحن ربما ، لكنهم تذكروه ، نسيناه كما ننسى أشياء كثيرة في حياتنا ، أشياء تنتمي إلينا بالفعل أكثر من أي شيء آخر ، أشياءً ليست عابرة بل أصيلة ومهمة ومؤثرة . لماذا ياترى فعل الرومان ذلك وهم لديهم شعراء وشخصيات فذة تستحق كلها تماثيل ؟ الجواب خطر على بالي وأنا أقف أمام تمثال شوقي وسط روما العظيمة ، خطر الجواب عارياً بسيطاً ، ليقول لي بكل ثبات إن الأبداع الحقيقي ليس له وطن ، والانفتاح على الآخر هو ما يجب أن تتعامل به الناس لإثبات المحبة والمقاصد الطيبة والانتماء إلى الإنسانية بمعناها الشامل والكبير .
لكن الأهم من ذلك هو كيف نثبت نوايانا نحن ؟ كيف نفرك جواهرنا التي أصابها سيل التخلف والمتاجرة بالوطن وثقافته وفنه ؟ ذلك الفن الذي لا نملك ما هو أعمق ولا أهم أو أجمل منه . كيف نفعل ذلك وقد باع الناس تمثال السعدون بالكيلوات على شكل خردة نحاس ؟؟!! ماذا فعلنا بأنفسنا وقد سمحنا لكل ذلك بالحدوث وكأنه لا يعني العراق وتاريخه ؟ لقد تحدثت هنا مرة عن مدينة يتغير اسمها في لمح البصر من اسم دكتاتور إلى اسم رجل دين ، هكذا بطريقة تصيب أي ( مواطن ) حقيقي بالغثيان ، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت . فهذه ليست طريقة مشرقة لاستعادة جمال بلادنا الآفل . هذه البلاد التي ابتلت بعيون لا تكشف عن الجمال ، بل تتاجر بالقبح أيضاً . آخر صرعة أراها في بغداد هي تمثال أو نصب الجواهري ( هو نصب بالفعل ، لكن على ذقون العراقيين ) ، هل حقاً هذا ما يليق بمكانة شاعر العرب الأكبر ؟ ، ما هذه البلوى التي ابتلينا بها وما هذه السذاجة والوقاحة التي وقعت على رؤوس الناس . لا أفهم أبداً ولا أتصور ولا أتخيل ، بكل المقاييس الفنية والإنسانية والجمالية والتاريخية وحتى التجارية ، كيف نجيز تهشيم نصب (المسيرة ) للفنان خالد الرحال ونصنع عملاً للجواهري يحمل كل هذه السذاجة؟
جميع التعليقات 3
saad
فقط اقول لماذا؟ هل العراق خالي من التشكيليين؟! هل يعجز العراقيون عن عمل نصب ابداعي يخلد المشاهير والمبدعين؟؟ ام ان الواسطة والتعرفة ستفرض علينا ان نشاهد (فزاعة)في شارع ما ويقول المعنيون انه نصب فني تذكاري؟!!! انها مصيبة حقيقية تحصل وسط سبات شعب ادمن النوم
Sam_Wais
عزيزي ستار كاووش العفو يبدو إنك لم تعرف الشاعر أحمد شوقي جيداً, كان من الأفضل أن تتأكد عن سيرته الذاتية قبل أن تباشر بكتابة مقالتك عنه, أود هنا أن أصحح لك خطأً كبيراً بخصوص أحمد شوقي وهو أنه ليس عربياً إطلاقاً كما ذكرت أنت في مقالتك وكما يعتقد البعض, بل ه
ستار كاووش
عزيزي سام ، لقد كتبت لك حول سؤالك هذا على الفيس بوك( حيث تكتب أسمك سامان )وسأعيد كتابتي هنا ، كلامك صحيح حول أصول شوقي وهذه المعلومات سهل العثور عليها في الويكيبيديا ، كان موضوعي حول أحتفاء بلد بشاعر ليس من بلدهم ، وقد كتبوا على الجهة اليسرى من قاعدة التم