TOP

جريدة المدى > عام > بين نيلسون مانديلا وكولن ولسون

بين نيلسون مانديلا وكولن ولسون

نشر في: 28 ديسمبر, 2013: 09:01 م

يُعدّ كولن ولسن من الأسماء المؤثرة على تغيير نمط التفكير البشري سواء في القارة الأوروبية ، أو في سائر أنحاء العالم .                      &n

يُعدّ كولن ولسن من الأسماء المؤثرة على تغيير نمط التفكير البشري سواء في القارة الأوروبية ، أو في سائر أنحاء العالم .                                                                             لقد أسس هذا الرجل العبقري لبنة تحليلية بالغة الحساسية بالنسبة للنزعات الإنسانية ، ولعل أكثر ما اشتغل عليه ولسون هو مسألة اللاانتماء التي تتسبب  بعض الظروف في تعزيزها لدى الأفراد ، وكذلك لدى الشعوب .
استطاعت أفكار ولسون أن تتفاعل في عمق الأوساط الثقافية ، وكذلك أوساط الشباب من مختلف الأعمار ، حتى غدا البعض يعلّق صورة ولسن على صدره ، وكذلك يفتخر بأنه يحمل كتاباً من كتب ولسون ، حيث بات يتزعم منهجاً ونمطاً خاصاً في طريقة الحياة .
1931    -  2013
عندما قرر ولسون عزلته الطويلة ، اعتقد البعض بأنه مات بصمت دون أن يسمع به أحد ، حيث اختفت أخباره من وسائل الإعلام بسبب العزلة الصارمة التي فرضها على نفسه .
بيد أن بداية شهر ديسمبر 2013 ، أعادت حضور هذا الفيلسوف الذي ولد سنة 1931 إلى بعض وسائل الإعلام التي بدأت تتحدث عن وفات هذا الفيلسوف الذي يعد علامة مؤثرة في الفكر الفلسفي ، وقد تلازم موته مع موت نيلسون مانديلا في ذات الشهر حيث يعد الشخصان من أهم الشخصيات التي لبثت حية ، واستطاعت أن تحتل تلك المرتبة المتقدمة من المجد والشهرة والتأثير الجماهيري .
لقد أحدث كولن زلزالاً بأفكاره الجديدة حول فكرة وجدلية اللاانتماء ، واستطاع أن يسيطر  على أفكار وشخصيات أجيال برمتها ، ولم يكن أقل شأنا ، ولا سطوة ، ولا قوة من جان بول سارتر .
اشتهر ولسون بالكثير من كتبه التي أحدثت جدلاً في أوروبا وسائر أنحاء العالم ، وامتدت شهرة ولسون إلى بلادنا حيث استقبله المثقفون العرب ، وكذلك الكرد بالكثير من الترحيب ، وبات ولسون مسيطراً بشكل خاص على طلبة الجامعات حيث بات كتابه اللامنتمي  الذي قام بترجمته المترجم العراقي  زكي حسن ، وروجت له دار الآداب اللبنانية من الكتب الأساسية التي غدا طلبة المدارس يتداولونه ، ويتبارون في إثارة الجدل حول مضمونه ، وبذلك تزعم كولن ولسون بأنه غدا صاحب أكثر الكتب مبيعاً ، وأكثرها إثارة للجدل .
الأمر الآخر أن ولسون تناول أهم الأسماء الأدبية وما تركت من نتاجات وفق مفهوم اللاانتماء الذي عمل في مجاله ، فبات يتناول هذه الإبداعات منطلقاً من هذه الأرضية مما أكسبه شعبية أكثر .
عندما تحدث ولسون عن إبداعات المركيز دي ساد مكتشف النزعة السادية بيّن أن معظم المبدعين الذين قرأوا ساد يعانون من ثنائية ساد الساذجة عن الخير والشر ولكن بشكل أخف ، فالطقوس التي تؤديها المرأة العانس في " نور في آب " لفوكنر تسير على قاعدة ساد , وكذلك الشذوذ الذي نراه في " الملاذ " و"وهم الاغتصاب" و"عود الذرة ", ويحاول جيمس جويس أن يحل مشاكله مع الكاثوليكية بنشوة الضعة في " مدينة الليل "  , ويميل غرين أيضا إلى ربط الجنس بالخطيئة , ويحاول جاهدا أن يقنع القارئ بأن الشيطان موجود لأن العالم مكان مسحور قاس .
 يحاول الجميع إنكار الموقف العملي الذي يتوصل إليه تولستوي ودستويفسكي والقائل بأن الشر هو فقط غياب الخير وغياب الحب ، وحسبما يورد كولن ولسون مرة أخرى فإن ليوناردو يعبر عن الموقف العملي في مذكراته قائلا : " إن الشر هو ألم جسدي " أي أن الألم الجسدي هو الشر الوحيد الذي يمكن أن يعرفه البشر .
حين فقد كولن ولسون جميع رفاقه ، فضل أن يبقى منعزلاً يعيش وقائع حياة اللاانتماء الذي أسس له إلى درجة أنه بات يعيش في قطيعة تامة عن العالم ويرفض أي شيء من شأنه أن يشير إلى حضوره ، حتى الأحداث الكبرى التي وقعت رفض أي حديث بشأنها وكان ذلك  سبب اعتقاد الكثيرين بأنه مات ، والحقيقة أنه كان يعيش في تلك العزلة التامة ، وهو شكل من أشكال الموت الذي فرضه ولسون على نفسه خلال كل تلك السنوات الطويلة .
وتشاء المصادفة أن يموت كولن ولسون ، صاحب أكثر الأفكار الفلسفية تأثيرا على العالم ، في الشهر الذي مات فيه نيلسون مانديلا -  ديسمبر 2013 -  صاحب أكثر الأفكار الداعية إلى حرية الإنسان ، بيد أن الثاني لبث متفاعلاً مع الواقع حتى اليوم الأخير من حياته ، في حين أن الكثيرين أيضاً لم يسمعوا بموت كولن ولسون .
لقد لبث كولن ولسون مخلصاً لأفكاره ولذلك لم يخطط أن تنكس الأعلام ، أو يقام حداد ، أو يشارك العالم في وداعه إلى مثواه الأخير كما حدث الأمر بالنسبة لمانديلا ، لأن ذلك كله في واقع الأمر لم يكن يعني لولسون شيئاً ، ولم يكن ليضيف إلى تاريخه شيئاً .لقد عاش ولسون كما كان يريد ، وكذلك مات بالطريقة التي اختارها لنفسه .
تحول موت ولسون إلى فرصة للأجيال الجديدة كي تطلع على أفكاره ، خاصة وأن الواقع العربي بات يفرز الكثير مما تحدث عنه ويلسون ، هكذا عندما يجلس المرء لامنتمياً ، ثم يفقد أي معنى وقيمة لحياته وكذلك لحياة الآخرين ، بل لظاهرة الحياة برمتها ، وذلك هو اللامنتمي السلبي الذي تناول ولسون شخصيته في الكثير من الأعمال الأدبية لكبار المبدعين ،  إلى جانب شخصية اللامنتمي الإيجابية التي عاشها ولسون نفسه في مرحلة عزلته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram