من يظن ان التمسك بكرسي المنصب، أي منصب، داء خاص بالسياسيين، فليتمهل. فالمثقفون والإعلاميون عندنا، وأيضا الأدباء والشعراء والصحفيون، وقد لا أخطئ ان أضفت لهم الرياضيين أيضا، تجد مرض حب تعدد الولايات يصيبهم حال تلذذهم بطعم "السلطة" وان كانت غير سياسية. أتذكرون متى بكى "بدري أبو كلبجة" مأمور مركز الشرطة الذي ظهر مع "غوار الطوشة" في المسلسل السوري "حمام الهنا"؟ بكى يوم أحالوه على التقاعد وهو يردد "ان أحالوني للتقاعد فعلى مين بدّي بتأمر؟". وهذا هو شر البلية. إنها البلية ذاتها التي أعمت حسين كامل وجعلته يعود الى صدام كالخروف ليقتله بدم بارد أو حار. لماذا عاد؟ لأنه وجد نفسه بالأردن لا يصدر أوامر ولا يوقّع كتبا رسمية!
كنت قد وددت الكتابة عن هذا المرض، الذي يبدو لي انه نفسي وعضوي في آن، يوم ظهرت نتائج انتخابات الهيئة الإدارية الأخيرة لاتحاد الأدباء ولاحظت تكرار نفس الوجوه السابقة وكأنها لا بديل لها. تساءلت في وقتها: حتى انتم أيها المثقفون تلومون الحاكم لا بل وقد تشتمونه بقصائدكم حين يرقد على كرسيه ولا يزيحه منه إلا الموت، لكنكم أيضا مثله لو تمكنتم من الكرسي؟ الأمر ذاته ينطبق على نقابة الصحفيين والفنانين واتحاد كرة القدم وربما غيرها من النقابات والجمعيات الثقافية والعمالية والفلاحية.
الغريب ان مرض التمسك بكراسي المناصب، مهما كان لونها او نوعها يرافقه ما هو أمرّ منه. الأمرّ ان من يعتلي تلك المناصب غالبا ما يكون من عديمي الموهبة ومن ذوي العقول التي تشم منها رائحة ماض تعفّن أو مات. لا أقصد أحدا بالذات ولا أعمم حكمي هذا على الجميع لكني أشير الى الأغلب العام الذي لا يلغي طبعا وجود خاص يستحق الاستثناء.
حديثي هذا أعاد الى ذاكرتي حكاية تأسيس جمعية الشعراء الشعبيين في العام 1967. ولدت هذه الجمعية ميتة لان هدفها الأول كان الوقوف ضد القصيدة الجديدة التي أتى بها مظفر النواب وضد كل ماله علاقة "بالحداثة". ثم ان نظامها الداخلي حرّم العضوية على كل من لديه اتجاه سياسي. الطامة الأكبر ان الذين تولوا إدارتها جلّهم ممن لا يعرفون كتابة بيت شعر واحد بالمعنى الصحيح للشعر. جمعية ظل يرأسها شخص واحد ولم يغادرها الى ان مات.
كنت أتصور ان ما حدث للجمعية سببه خصوصية الشعراء الشعبيين، لكني وانا انظر اليوم لجمع من النقابات والاتحادات خاصة تلك التي تهتم بالشؤون الصحفية والأدبية والثقافية اجد ان ما يميز الذين يتحكمون بها، ليس الاستقتال من اجل البقاء على كرسي إدارتها فقط، بل وان المستقتلين من عديمي الموهبة أيضا. زين ليش؟
فايروس الولايات
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 1
الناصري
ان رأس المشكله في بلادي......حاجة البلاد الى المثقف الحقيقي الذي يعمل على رفع مستوى تفكير العوام.من الناس وكذلك مستوى تفكير السياسيين ....فإذا المثقف كان من الذين يتمسكون بالكرسي ....فكيف نتمكن من نزع هذه الفكره من عقل سياسيو الصدفه .....وبالتالي لنقرأ عل