قبل ٨ شهور زرت ساحة اعتصام الرمادي وكتبت مقالين حولها وأجريت حواراً مع وزير المالية الملاحق رافع العيساوي. وفي تلك الأثناء كان واضحا الانقسام في أسلوب العمل. فهنا العيساوي وعقلانيته وكياسته وذكاؤه، وبموازاته شباب وطنيون يحاولون مكافحة أي جملة متشددة او طائفية، وينظمون معرضا لمقولات فلاسفة عصر التنوير تتحدث عن قبح الاستبداد، وتقدس الحرية والاحتجاج الثوري. وعلى الطرف الآخر من الاعتصام، كان النائب احمد العلواني الذي اعتقل بطريقة دموية سقط خلالها شقيقه وبعض حراسه وعدد من جنودنا فجر السبت.
وفي ساحة الاعتصام فوجئت برجل كبير أمام احدى الخيام مع أصحابه، ويبادر للترحيب بي ويجرني من وسط الشارع الى حيث يجلس. عرف نفسه بأنه والد النائب احمد العلواني، ويبدو ان العلواني الأب يعرف مسبقاً أنني من أسرة شيعية، فراح يتحدث عن تقديره لكل الأصوات الشيعية التي تفهمت مطالب المعتصمين ونددت بالشتائم التي وجهها المالكي للمعتصمين مثل وصفهم بالفقاعات، كما ذكر الرجل انه على قناعة بأن نهج المالكي مضر لكل الطوائف.
هنا دخل علينا النائب احمد العلواني فتصافحنا وجلس الى جانبي يشرب الشاي. قلت له بصوت خفيض مراعياً وجودي في مضيف والده: أنت نائب في البرلمان، وأمامك فرصة لتكون اكثر دقة في اختيار الكلمات والهتافات والحركات، ولأنك نائب وابن أسرة معروفة فإن أمثالي ينتظرون منك ان تكون عنصر تصحيح لعواطف الشباب التي تجرفهم في أحيان كثيرة الى اعتماد أسلوب متشدد وطائفي وطائش، في المطالبة بحقوق مشروعة يتحمس لها اتجاه وطني عام واسع ومؤثر. يا سيدي اترك كلمة "صفوي" و"مجوسي" لأن هذا تعميم يساء فهمه ويجعلك في مواجهة طائفة بأكملها. لكن الرجل ابتسم وقال باستسهال: إنما هي عبارات غير جادة لتخويف المالكي وإثبات جدية تحركنا! أجبت: لكنك تساعد المالكي بهذا على تصويركم كطائفيين متعاونين مع العنف. رد العلواني: كلا، فالمالكي مكشوف، وحيله لن تنطلي على الناس!
وبعد سنة، نجد انفسنا في موقف حرج، فالمالكي استغل أخطاء عديدة حصلت في ساحات الاعتصام، ونجح في إحاطة نفسه بجمهور يقل او يكثر، يصفق له، ووسط التصفيق الحماسي يختلط الحابل بالنابل، ويتوارى الحق وراء الباطل، ونشعر بنتيجة التصحيح الذي كان بطيئاً لشعارات الاعتصام.
ماذا بعد؟، وهل نقف متفرجين، ونكتفي بتعداد أخطاء بعض المعتصمين التي ساهمت بتضييع بعض حقوقهم وإضعاف موقفهم السياسي في أحيان كثيرة؟ وهل نكتفي بالحزن على غياب الدور المعتدل الذي اختفى سريعا للعلامة عبد الملك السعدي، او الأدوار المعتدلة الأخرى التي شوش عليها صوت المعركة واستمرار الخطاب المنفلت لبعض خطباء منصة الاعتصامات؟
لقد بذل الصدر والحكيم وبارزاني، والتيارات العلمانية في الغالب، جهدا كبيرا في مساعدة المعتصمين على اختيار عبارات اكثر توازنا، في لحظة كانت العاطفة والشعور بكسر الكبرياء، تجرف المحتجين الى هستيريا احسن المالكي استغلالها شعبوياً. لكن المواجهة لم تكن بين هذه الأطراف وحسب، بل دخل تنظيم داعش المشؤوم لينصب نفسه مدافعاً عن التسنن، وظل الرأي العام منشداً الى استهداف القاعدة للشيعة، بينما كانت تستهدف الجميع (بحسب النسب السكانية ربما!). وهنا نجح تنظيم القاعدة والمالكي في الوقت ذاته، في تشويه صورة الاعتصامات أمام جمهور عراقي يقل او يكثر، لكنه يؤثر على الجميع، ويمنح زعيم دولة القانون ضوءً اخضر لتصفية جملة عقبات تواجهه.
ان المشكلة اكبر من مكسب انتخابي نخشى منه او عليه. وهي اكبر من ان نظل نتبادل العتاب بشأن محاولات بطيئة لتصحيح أخطاء انفعالية كبيرة حصلت خلال الاعتصامات. والمشكلة اكبر من ان المالكي اعتقل العلواني ونسي أشباه واثق البطاط. فنحن أمام مرحلة صدام وطني لإعادة رسم قواعد الـ لا تعايش في بلد واحد. وما يحدث اليوم سيرسم الى حد كبير مستقبل السياسات الاجتماعية لوقت طويل. وعند هذه النقطة ينبغي لكل خصوم المالكي المطالبين بالإصلاح، ان يتوقفوا طويلاً، قبل ان ننفق مزيدا من الوقت في وصف عوراته وهناته وخطاياه.
أخطاء الأنباريين.. ماذا بعد؟
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2013: 09:01 م
جميع التعليقات 10
سعد الدباغ
ياعراق اين الفرح اين السلام اين الحب اين الحبيب اين الحياة اين البشر اين العلم اين المعلم اين الدين اين العقيدة اين الطب اين الطبيب اين العراق ..... يا عراق ياعراق اين العراق.
نبيل
يحزنني انك مثقف وتعرف نفسك انك من اسرة شيعية بدل من ارة عراقية عربية مسلمة هذا شيئ محزن جدا كنت اعتقد ان مشكلة الوطن العربي بحكامه ولكن اكتشفت ان المشكلة بالشعوب فيها مرض الطائفية القبلية وحتى الاقليات القومية تريد دويلات داخل الدولة يا خسارة شو بصير ف
مات عفلق
ما حصل من على منصات التظاهر لم يكن خطأ او سوء فهم او انفعال لحظة كما تحاولون تصويره , العلواني يتبع نهج له تاريخ واتباع عبر عن نفسه بالماضي البعيد والقريب , هو نهج عنصري اقصائي محتقر للاخر ولايعترف بارضية واحدة مع شريك الوطن , عبارات السيد النائب هي ذاتها
قاسم
لم تدافع عن العلواني في مقالتك ولم تسئ اليه لكنك وقعت نفسك في احبال كراهية الخنازير وابناء المجوس .. كيف التقيت به وانت ضمن هذا التوصيف الذي اطلقهالعلواني واعتقد لم يستثني احدا منه لانه من ات من ذات الحضن المخالف لحضيرة الخنازير. انت لن تكون علمانياوان لب
ابو ريم
تحية طيبة الملفت للنظر انه كلما زار المالكي الولايات المتحدة وعاد بعدها تبدا مشكلة جديدة مع احد الاطراف في العملية السياسية الافتعالية . ويتسائل المرئ لماذا؟ اعتقد ان الغرب وبقيادة امريكا يعرف اننا لا نملك مقومات شعب بهوية واحدة بل مجاميع من البشر تحركهم
فراسرالمساعدي
طبعا نحن كشباب في محافظة ميسان نتطلع الى التغير من خلال الاصبع البنفسجي ولكن شعارت الاخوة وتهجمم على الطائفة بصورة مستمرة وترديدهم شعارات تدعوا الى اعادة النظام البعثي يجعلنا اكثر تمسكا بشخصية المالكي باعتبارة رمز من رموزنا والمدفاع عن عودة البعثية وقاتل
سفيان الجنابي
استاذ سرمد كبير جدآ بطرح المواضيع مقال جدآ رائع واقرب الى الواقع لكن للأسف من يستمع الى مثل هذه وجهات النظر التي تساعد في بناء انقاذ العراق كي يكون بلد متحرر فكريآ اولا وديكتاتوريآ ثانيآ الطابع السائد على مر السنين لشعب العراق الفبول بمحكومية الدكتاتور ور
ابو سجاد
نعم العلواني طائفي ومحرض ومتسرع ولايصلح ان يكون عضوا في البرلمان ليمثل طائفة كبيرة من المجتمع ولكن لم يكن العلواني وحده طائفيا قد يكون فضحه لسانه عندما اعلن ولكن الموجودين الان في البرلمان كلهم طائفيين وعرقيين وبدون استثناء من منهم لم يلعن ويسب الطائفة ال
سليم جواد الفهد
( ولأنك نائب وابن أسرة معروفة فإن أمثالي ينتظرون منك):سرمد ألا يشعرك هذا التعبير بالدونية؟؟؟
ضياء الحجيمي
أتفق معكِ أستاذ سرمد في كل ما قلت إلا في شيء واحد فقط وهو أن العلواني لم يكن يقصد ما يقول وأنه أراد إخافة المالكي طبعاً أنت نقلت كلامه ولم تقل لنا هل أنت مقتنع بتبريره أم لا ؟ وبرأيي المتجرد 100% من الطائفية أعتقد أنه كان يقصد كل حرف يقصده وكان كرأس الهرم