(يا نغم لا تبجين) لأن أباك رحل في (بلم عشاري) عجول، وهو لم يرحل لأن الذين يشبهونه لا يرحلون، بل يأتون مثقلين بـ (بيادر خير) وفيرة الغلة بصريّة الإيقاع.أقول له: يا فؤاد (حجيك مطر صيف) لأنك تتركنا على وفق أكذوبة ضعيفة النص، سيئة اللحن، بأداء يدعو للضجر
(يا نغم لا تبجين) لأن أباك رحل في (بلم عشاري) عجول، وهو لم يرحل لأن الذين يشبهونه لا يرحلون، بل يأتون مثقلين بـ (بيادر خير) وفيرة الغلة بصريّة الإيقاع.
أقول له: يا فؤاد (حجيك مطر صيف) لأنك تتركنا على وفق أكذوبة ضعيفة النص، سيئة اللحن، بأداء يدعو للضجر، وضعت لها عنواناً مكرراً: الموت.
كل أغنية هي ساحة يتجمع فيها العشاق والغرباء والحالمون والمنكوبون بزمانهم القاسي، على أن المغني رسول الألم وحامل بريد الغربة وبطاقات الدعوة لحفل كبير يلم الناس ويضع لوحدتهم معنى ولانكسارهم إشارة التغيير.
(يا عشكنا)؟ يا عشقنا الباذخ حتى لو كان من طرف واحد، ومن مستوياته عطاء الفنان لوطنه فلا يقابل إلا بالنكران والتجاهل، لكنه إصرار على العشق لجعل الليل.. (ليلي أضوى من صباحي والوكت زفة عرس) ومن غير العاشق الكبير بقادر على تغيير الألوان والإتيان بليل أسطع نوراً من الصباح، في لحظة تفاؤل كاذب مفعمة بالصدق؟
فؤاد سليل تراث يمتد من مسعود العمارتلي حتى ناظم الغزالي وعفيفة إسكندر، مروراً بحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وتاريخ عراقي غارق بمياه شط العرب والمشرّح ودموع آخر الليل وحقائب الوداع وحنين المنفي وخيبة العائد إلى وطن بادله العشق بالنكران.
(وين يالمحبوب)؟
وين؟
.. وكيف سيمضي المحبون لياليهم ولمن سيبعث المعجبون بقبلهم ورسائلهم؟
من سيعيد الوتر المقطوع إلى عود الفنان؟
هل سيعود البلم العشّاري إلى كورنيش الشطّ ليمتلئ، من جديد، بركابه المتطلعين إلى تلك الضفة البعيدة؟
وين يالمحبوب؟
لا أظنها رحلة مثل تلك الرحلات، باتجاه واحد (وان واي) بلا عودة، لأن سفرك لا يشبه السفر. أوراقك وأغنياتك وألحانك وصورك موجودة ومحفوظة في وجدان من أحبوك.. لا تقلق، سيحتفظون بها حتى عودتك لأنهم اعتادوا اغترابك الطويل.. ومن ترك لدى عشاقه كل هذا الإرث لن يغيب إلى الأبد.
في ذاكرة العود أصابع مرت على أوتاره وعلى أوراق النوتة سكيتشات رسمت انتظارات كثيرة وأنّات ودموع وابتسامات كبيرة، وفي حنجرة الناي آهات تسري في القصب وجمل موسيقية تبلل شفتي العازف وأنت في مقدمة المسرح، قريباً منّا، نحن الذين أحببناك وما زلنا نتأمل مصائرنا المشتركة.. حتى لو انتهت الأغنية تبقى الستارة مفتوحة لأنك ستعود بأغنية جديدة.
بعد كل طريق الخيبة الطويلة التي مشيناها كلّا حسب إيقاعه وصورة حلمه الصعب.. نردّد: (مشيناها خطىً كتبت علينا.... ومن كتبت عليه خطىً مشاها).
هل كانت أقداراً مقدّرةً؟ نعم، لكنها أقدار اخترناها ونحن في كامل طاقاتنا العقلية والحلمية بمواجهة القسوة والتخلف والخوف.
(يا نغم، لا تبجين).
مو بدينه.. مو بدينه
نودع عيون الحبايب موبدينه
والعمر لحظة عشق وتمر علينه.