بغداد / المدى قبران يحفهما صمت الوجوم ، وتطوف موجوعة بهما ظلال الأسى والأنين، حولهما تسمرت وجوه حزينة مكتئبة هجر الهناء والسعادة ملامحها، ونظرات واهنة تائهة تلاحقت فيها معالم ذكرى الحيرة والضياع . على صفحة القبرين تفاصيل المأساة ، شابان شقيقان في
بغداد / المدى
قبران يحفهما صمت الوجوم ، وتطوف موجوعة بهما ظلال الأسى والأنين، حولهما تسمرت وجوه حزينة مكتئبة هجر الهناء والسعادة ملامحها، ونظرات واهنة تائهة تلاحقت فيها معالم ذكرى الحيرة والضياع .
على صفحة القبرين تفاصيل المأساة ، شابان شقيقان في زهرة العمر أزهقتهما خطوات طريق واحد.. حيوية الصبا وراحة البال وصحة الجسد ووفرة العقل ودماثة الخلق ...صفات ميزتهما عن غيرهما قبل ان تغيبهما ظلمات الطريق .
حياتهما ، موتهما ، مأساتهما ، لوحة سوداء الخطوط حالكة التفاصيل رسمتها أيدٍ آثمة تعودت ان تلون بدماء حقد جريمتها لوحات الضياع في المجتمع كي لا يشق طريقه حثيثاً لمستقبل زاهر ويشعل بعنفوان الحماس شموعاً للريادة تستفز أعداء النجاح وخصوم الحياة .
مضينا اليها يلازمنا الأسى يقودنا الألم ، لتقرأ لنا تفاصيل اللوحة بدموعها ومقيم حزنها ومؤذي ذكرياتها وارتجاف صوتها وسجل تضحياتها، مشهد اللقاء كان مسكوناً بالأسى والألم، تنازعها خوف استعادة ذكرى جارحة ورعب استحضار موت ، ورغبة إسداء نصح مخلص فتجاسرت على الصمت عابرة جسوره تفتح الكلام ، تشبثنا بوهج اللحظة ، وحبسنا أسئلة تزاحمت في رؤوسنا فخلينا بينها وبين نفسها ،تحكي ، تبكي، تشكي لنا تستنطق الماضي الأليم، قالت : أنا خالتهما ، أو ان شئتما الدقة أمهما ، نبتا مع تسعة أزهار غضة أرعاهما ، أغذيهما ، أعوضهما أباً خرج من سنين ولم يعد ، حطم قلب زوجة هدتها الفاجعة فتركتها متخبطة في ظلام اضطراب النفس واعتلال العقل . كانا يسكنان قلبي وأسكنهما دون بقية إخوانهما ، أكبرهما عرفني أماً وهو يحبو ابن أربعين يوماً ، كبر وكبر حبه وكبر خوفي عليه وعلى إخوانه من خطر محيط في بيئة حي يرتفع فيه الشر يسكن عديد بيوته ودروبه ، يقتنص في كل يوم شباباً غضاً ، يحيي اغتراباً اسرياً وافتقاد رعاية واعية ، كانت مخاوفي تدفعني لمزيد حيطة ومبالغة اهتمام الى ان حانت لحظة كان ينتظرها الأشرار أثناء انشغالي بمرض أختي وسفري معها للعلاج ليتسربوا إليه يغرونه بالأوهام ، خيط وهم يسافر به الى فضاء سعادة مزعومة ثم اسرعوا به في لهاث الى دروب الشر، هاتف مشؤوم مشحون بالصدمة يخبرني في بلاد الغربة انه محجوز في التوقيف بعد ضبطه يحمل في جيبه البلاء، وامصيبتاه ! صدقت هواجسي ، تسربت رغم الأسوار المحكمة عليه يد الآثم ، في لمح البرق عدت التقيه لقاء مختلفاً بعد ان خرج من التوقيف لصغر سنه ، حاورته ، لمته ، تحدرت دموع الندم ، فوثق لي الوعود والعهود ، صدقته فلم اجرب عليه كذباً من قبل ، لكنني لفرط حب الخائف أو خوف المحب كثفت رقابتي عليه، وعلى من يخالطهم ، أمسكت طرف خيط حتى اكتشفته (وكيل إبليس )، تلميذه النجيب ، محترف تصيد فتية لهم من وداعة النفس وبراءة القلب ما يسيل له لعاب مثله من شياطين الظلام يمد يده بالزيف المسموم ويسحبهم في خبث وخفاء ماكر الى تجارة الموت يدورون في حلقة الهلاك يبيعون ويتعاطون ويشترون ، وهو مستريح متخف في الظل الأسود يعربد في شبابنا ، يضيف الى رصيد الشر كل حين ضحية جديدة كلما سقطت ضحية .
في الأثناء يحل في البيت ضيف قريب كان يرافق ابن اختي الى الأسواق والزيارات المختلفة . روى لي احداثاً ارتاب منها في خروجه معه ذات يوم اذ توقف الشاب في بيت من الحي، دخل وغاب للحظات ثم عاد يدس في جيبه شيئاً تهرب من الإفصاح عنه ، تملكني الذعر وانا أتفرس في وجه ابن أختي، وقد اضطربت ملامحه وارتبكت أحواله على نحو يومي بأمر مرعب ، كان لا بد لي ان اقطع شكوكي باليقين ، ذهبت مع ضيفي ، وتعرف على البيت الذي دارت عنده تلك الأحداث المشبوهة ويا لها من مفاجأة مذهلة صادمة مصعدة للذعر هو ، هو بيت المجرم .
اذا لا مفر من المواجهة ولقاء اخر مختلف مع ابن اختي ، كان هذه المرة عاصفاً ، حب ، وخوف، وذعر، تجمع كله في جديتي فقالها بإنكار عنيد، هددته ، وقد افلت من اطار العقل ، سأحرقك ان لم تعترف فلم يتبين جديتي وعزمي الأكيد... اقر وبكى وندم ووعد وقبل ان يسكن قلبي الاطمئنان الى إخلاص وعده أخلفه .