قُلنا سابقاً ونعيد، بأن عملية تقسيم السودان إلى دولتين، لم يكن الحل السحري المأمول، فقد ظلت الأزمات تتفاقم في السودانين، شمالاً استمرت حالات التمرد الانفصالية، ووصلت إلى قلب الخرطوم، لتعصف بأضيق دوائر الحكم، التي شهدت حالات انشقاق، ترافقت مع جملة من التغييرات في المواقع القيادية، وجنوباً استعرت حرب قبلية، لاتنقصها أية وصفة لتتحول إلى حرب أهلية طاحنة، تدور عند منابع الثروة النفطية، التي لم تتحقق منها للمواطن السوداني شمالياً كان أم جنوبياً، مسيحياً أو مسلماً أو أرواحياً، أية فائدة على صعيد التنمية، المطلوبة في بلد يواصل العيش في بدايات القرن الماضي، ويهجره أبناؤه إلى دول الجوار والعالم، بحثاً عن اللقمة والحرية.
يُتابع العالم اليوم الحرب المندلعة بين الرئيس سيلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، في صراع مكشوف على السلطة والثروة، تُوّج بمحاولة انقلابية، انقلبت إلى حرب قبلية، بين قبيلة الدينكا التي ينتمي اليها سيلفا كير، وقبيلة النوير بزعامة مشار، ووراء كل منهما تصطف أحلاف قبلية، وهي حرب تنذر بالانتقال إلى الدول المجاورة، بحسب امتداد تلك القبائل فيها، صحيح أن الاتحاد الإفريقي يسعى للتوسط بين طرفي النزاع، لمنع انقسام جديد فيما كان يعرف بالسودان، وهو يهدد الجمهورية الجديدة قبل أن تتخطى عامها الثالث، بانفصال يستند إلى الانتماء القبلي، بعد أن كان انفصال الجنوب عن الشمال، قد تم استناداً للمكون الديني الطائفي، بين شمال مسلم وجنوب مسيحي.
كان الجنوبيون المسيحيون والوثنيون، يتهمون الشماليين المسلمين في سودان ما قبل الدولتين، بالتحكم في مناطقهم الغنية بالنفط، واليوم يقول البعض إن الكثرة العددية لقبيلة الدينكا، أعطتها الفرصة للتحكم بقبيلة النوير، التي تقطن فوق بحر من النفط، ويؤشر كل ذلك إلى أن فكرة الانفصال تتحكم بأهواء الجنوبيين، كما الشماليين، حيث تندلع الأزمات بين نظام البشير ومعارضيه، وتتعاقب المظاهرات في أنحاء البلاد كافة، حاملة نفس المطالب والشعارات، في حين يتخبط النظام، فيطيح البشير بأهم نوابه ومساعديه، ويستبدلهم بمجموعة من العسكريين، الذين يدينون له بولاء شخصي، وينشق عنه أبرز عقل تنظيري في حزبه، ساعياً لتشكيل حزب جديد، في خطوة ليس معروفاً بعد إن كانت ستعيد تأهيل النظام، أو تُعجّل في إضعافه وتفكيك قبضته، التي يريدها البشير حديدية وحاسمة.
في مدارسنا كنا نتعلم أن السودان هو أكبر الدول العربية، وقادر على توفير الأمن الغذائي لكل العالم العربي، لكن الأزمات المتلاحقة خلال أكثر من أربعين عاماً، في بلد مترامي الأطراف، متعدد الأعراق والأقوام واللغات والأديان، فقير وجائع ومعرض ليكون ساحة لتنفيذ أجندات خارجية، خططت لها إسرائيل والعواصم الإفريقية الكبرى بالتناغم مع العواصم الإقليمية والدولية، مستغلة تراخي قبضته على حدوده وسيادته، مضافاً إليها حركات التطرف الديني، مسيحياً كان أو مسلماً، منعته من لعب أي دور مؤثر وفاعل، وإذا كان البعض طالب ببقاء السودان موحداً وبنظامين، فإن المرجح اليوم أن هذا البلد ينزلق إلى عمليات تفتيت جديدة، تفرخ أكثر من دويلة، مشحونة بالعداء والأحقاد تجاه جاراتها، المتشظية عن ما كان يعرف بالسودان .
جميع التعليقات 1
سلام محمود احمد
هل عندك اي دليل على ان اسرائيل لها يد في الموضوع.