بعد عشر سنوات، نجح فيها أردوغان وحزبه في نقل تركيا من واقع بائس إلى آخر زاخر بالآمال، قدم خلالها إسلاميو تركيا، خطاباً بعيداً عن الغيبيات وديمقراطياً، وأقرب ما يكون للعلمانية، لعله لم يكن صادراً عن الإيمان به، بقدر ما كان تمهيداً للتحول مُجدداً إلى خطاب ديني إخواني، يمكن وصفه بالمذهبي، أساء إلى علاقات تركيا بجوارها العربي والإقليمي، فضلاً عن آثاره السلبية على تركيا ذاتها، حيث استيقظت المسألة العلوية، وظلت القضية الكردية عالقة، ما دفع بالعلمانيين والديمقراطيين إلى ساحة تقسيم وحديقة جيزي، لمواجهة تحولات حزب الحرية والعدالة، وزاد الطين بلة أن ما كان اردوغان يعتبره مفتاح نجاحه، وهو الحرب المستمرة على الفساد والفاسدين، قد أسفر عن فساد عميم في بؤرة الحزب والحكومة، وانشقاق حليفه الأكبر فتح الله غولن، فاكتمل المشهد الضبابي داخلياً وخارجياً، ليهدد تجربة أردوغان وحزبه، التي اعتبرها البعض من أكثر تجارب الإسلام السياسي إثارة للجدل، وجذباً الاهتمام.
جاءت فضائح الوزراء وأبنائهم وقضايا الفساد في مرحلة مفصلية ووقت عصيب، حيث استحقاق الانتخابات الذي يعني مغادرة أردوغان موقعه كرئيس للوزراء، لتحقيق حلمه بالانتقال إلى موقع رئاسي بصلاحيات مطلقة، ما يستدعي تعديل الدستور، الذي بات صعب التحقق، بينما الخصوم يتكاثرون، ويدخل من عديد الأبواب، المعارضة وحلفاؤه، وحتى من أوساط حزبه، وكلهم يعمل على هدم الأسطورة، وتنحية صانعها عن موقع صانع القرارات، بعد أن تربع عليه لعشر سنوات سمان، كان عمادها تحالفه مع غولن، على قاعدة تقاسم الصلاحيات، لكن هذا التحالف لم يعد قائماً، بل تحول إلى حرب تصفيات بين الرجلين، لم يكن ينقص لهيبها اشتعالاً، غير حرب أردوغان المفتوحة على الإعلام.
ليس هناك أدنى شك بأن سياسات أردوغان الخارجية، التي جلبت له تأييد مواطنيه، حين كانت تتبنى مبدأ صفر مشاكل، هي التي وضعته في مواجهة التحديات، من خصومه وحلفائه ورفاقه ومناصريه، حين انقلبت تلك السياسة إلى ضدها، قبل حوالي ثلاث سنوات، حاصدةً الفشل والخيبات على صعيد إقليمي، ارتد على وضعه ونفوذه، والمرجح اليوم أن فترة العشر سنوات، الذهبية إجمالاً، لن تتكرر لتسمح للرجل أن يظل مهيمناً على السلطة، ليحتفل وهو على رأسها بمرور 100 عام على تأسيس الجمهورية، لكن ذلك لا يعني أن حزبه فقد دوره في الحياة السياسية، خصوصاً وأن معظم التقديرات ترجح فوزه في الانتخابات المقبلة، نظراً لضعف معارضيه وتشتتهم، وفقدانهم البوصلة في بلد تتنازعه الطائفية والمذهبية والنزاع الاثني، لكن المرجح أيضاً أنه لن يحظى بالأصوات التي حصدها في الانتخابات السابقة، أما بالنسبة لأردوغان شخصياً، فانه بات حمولة زائدة بعد أن دفع حزبه لهذا الموقف، ما يحتم تجديد القيادة لتعود إلى أفكار ومبادئ التأسيس الديمقراطية المدنية، والابتعاد عن أفكار الإسلام السياسي، الذي أفشل مبدأ "صفر مشاكل" وحوله إلى بدون أصدقاء.
كنا نأمل نجاح التجربة التركية مع حزب أردوغان وزعامته، لكن موقفه الإخواني تجاه المستجدات في جواره الإقليمي، أفقده الكثير من شعبيته في المنطقة وبلاده أيضاُ، ما يدفعه للتصرف بعصابية مفرطة، لم تكن منتظرة منه كرجل دولة بوزن إقليمي ودولي متميز ، وفي كل مرة نجد أنفسنا نعود ل "لكن"، لنقول بأن من المبكر الجزم بأن التجربة التركية باتت قريبة من الفشل التام، فإمكانية إعادة الحسابات على أسس واقعية لتدارك الأمور ما زالت ممكنة، شريطة الابتعاد كلياً عن تأثيرات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقد تكون التضحية بفرصة أردوغان الرئاسية أهم تجلياتها .
أردوغان.. هل تسقط التجربة؟
[post-views]
نشر في: 30 ديسمبر, 2013: 09:01 م