من صحراء الأنبار ومدنها، إلى حلب وريفها، وإلى كل شمال سوريا تمتد معارك "داعش" ضد النظامين السوري والعراقي، وضد المواطنين في المناطق التي تتمكن من السيطرة عليها، وهي لاتُحصي خسائرها من "الشهداء" بحزن، بقدر ما تزفهم إلى الحوريات العين، المُنتظرات على أبواب الجنة، يتزاحمن لاستقبالهم بما هم موعودون به، لكنها تميز بين شهيد وآخر، فالأمير ليس كالغفير، ولذلك يوجعهم مقتل أمير التنظيم في الأنبار، أكثر من مقتل حوالي سبعين "مجاهداً" قضوا على يد أبناء العشائر، المتعاونين مع الجيش العراقي في ملاحقة فلول هذا التنظيم الإرهابي.
في أرياف حلب فتحت داعش معركة جديدة، لم تكن متوقعة مع قوات المعارضة السورية، واختارت بلدة الأتارب التي تشكل المعبر الستراتيجي، ورئة الإمداد في السلاح والمساعدات بين تركيا وحلب، ما دفع جبهة النصرة للوقوف ضدها، فيما بادرت الجبهة الاسلامية التي تضم أكبر التنظيمات الإسلامية العسكرية، الى محاصرة المقر العسكري العام لداعش في شمال غربي سوريا، حيث تسعى هناك لإخضاع جميع منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية لرغباتها، ما ينبئ بمعركة ضخمة ستندلع بين جميع القوى من المعارضة وداعش في الاتارب، التي يعني النصر فيها السيطرة على الممر الأخير المتبقي للمعارضة، من معبر باب الهوا الحدودي مع تركيا.
المدهش هو توافق واشنطن وموسكو على أولوية محاربة إرهاب داعش، التي نبتت فجأةً كالفطر السام، وبقوة تدعو للتساؤل عن مصادر قوتها، بحيث تخوض معارك متكافئة ضد جيشي دولتين ومعارضي الحكومات فيهما، وهي المتمردة على قيادة تنظيم القاعدة، رغم أنها من رحمه، وكان لبروزها أثر سلبي على معارضي النظامين السوري والعراقي، حيث تتوجه أنظار العالم لمحاربة إرهابها، اعتماداً على البعث والدعوة، ما يبرر التساؤل عن مدى جدية اتهام النظامين، ومعهما طهران، بلعب ورقة الإرهاب والتكفيريين طوال السنوات الماضية، للوصول إلى هذا الواقع الذي يستدعي مكافأتها على حماية العالم من هذه الآفة.
واضح أن داعش اعتبرت الأنبار عمقاً ستراتيجياً لمعركتها في سوريا، وفكرت بتحويلها إلى خزان بشري لمقاتليها في بلاد الشام، لكن عشائر المنطقة رفضوا ذلك، مع رفض تحويل مطالبهم، وبعضها محق، إلى عنصر قوة مضاف لإرهاب داعش، التي خططت لقتال الأسد حتى آخر قطرة من دماء أبنائهم، وشدد زعماء العشائر مؤخراً على عدم السماح برفع أية راية غير رايات العراق والعشائر، تحت مُسمّى الجهاد وأية مُسمّيات أخرى، ولعل التاريخ يعيد نفسه اليوم مع بعض التعديلات، فتكون نهاية تنظيم القاعدة في العراق، على يد عشائر الأنبار، وهي تستعيد صحوتها التي نجحت سابقاً في مهمة مماثلة، قبل أن تلقى الصد والإهمال من الحكومة المركزية في بغداد.
عراقياً، تخوض داعش معاركها ضد المالكي، الذي تعامل مع الإرهاب كقاطرة تقود إلى إنهاء الاعتصام دون تلبية مطالب المعتصمين، فأدخل البلاد في أزمة سياسية، رغم أن خصومه من أبناء العشائر ساندوه في حربه، باعتبارداعش خصماً لهم أيضاً، صحيح أن واشنطن ربطت دعمها له في ولاية ثالثة، بنجاحه في احتواء الإرهاب في العراق وسوريا، لكن الصحيح ايضا أن معظم شيعة العراق يريدون رحيله، والأكراد لا يحبذون بقاءه، وساحات الاعتصام السُنية سترحب بأي سياسي آخر يحل محله، ويبدو الشك منطقياً في نجاحه اعتماداً على تقاطع المصالح الأميركية الإيرانية عند استبقائه، رغم أن القاعدة عززت حظوظه، كما عززت حظوظ الأسد في ولاية ثالثة، يُنجزان فيها حرب العالم ضد الإرهاب.
كل ما يحيط بنشأة داعش، وانتصاراتها وهزائمها وخارطة خصومها ومؤيديها ومموليها، مثير للشكوك، ولتساؤلات ننتظر انجلاء المعارك لنعرف أجوبتها.
داعش ومعارك على كل الجبهات
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2014: 09:01 م