تتسع دائرة القلق بين العراقيين المهمومين بمصائرهم ومستقبل بلادهم، غير المتورطين بالمراهنة على ما تسفر عنه الصراعات الدموية من فرز وانحيازات واصطفافات يراد لها أن تكرس فرص رئيس مجلس الوزراء وتغذي اوهامه حول إمكانية الحفاظ على كرسي السلطة لدورة ثالثة م
تتسع دائرة القلق بين العراقيين المهمومين بمصائرهم ومستقبل بلادهم، غير المتورطين بالمراهنة على ما تسفر عنه الصراعات الدموية من فرز وانحيازات واصطفافات يراد لها أن تكرس فرص رئيس مجلس الوزراء وتغذي اوهامه حول إمكانية الحفاظ على كرسي السلطة لدورة ثالثة مهما كان الثمن، بل حتى وان ادى الصراع الى مزيد من الخرائب والخسائر في الأرواح والثـروات، وتمزيق ما تبقى من نسيج مجتمعي قابل لإعادة الحياكة والريافة.
لقد بدأ العبث بإشعال الفتنة، وليس المهم الآن من الذي اشعل الحرائق رغم انه معروف و"يكاد المريب أن يقول خذوني"، وانما الهدف الذي لا بد ان يجمع كل الفرقاء، المتورطين بالصراع، او المسكونين بالقلق من تصاعده واتساع دائرته، بحيث يتعذر إخماده، قبل ان يأتي على اليابس والأخضر، ويتحول الوطن الى خيمة تحترق، يتنافس الملتمون لإطفائها على أسلابها!
واخطر المتوارين على اطراف الفتنة وحواشيها، هم القائلون بأنها (او الساعون لإظهارها، باعتبارها) منازلة طائفية بامتياز، بين أهل السنة واهل الشيعة.
ولا احد يمكنه ان يبَرّئ جهات متخمة بالضغائن الطائفية من الطرفين من لوثة هذا الصراع وتأجيجه، وكذلك من لهم أجندات طائفية وسياسية من وراء الحدود. كما لا يمكن التغاضي عن الممارسات المخلّة التي تُمارس بتعمد قصدي مفضوح، ضد المكون السني في دوائر ومؤسسات حكومية، او تورط البعض من القيادات المحسوبة على هذا المكون في الدفع باتجاه التحريض الطائفي، كما لو ان جريرة التمييز او الاقصاء او التهميش الذي تمارسه السلطة وقيادتها المأخوذة بأسبابها ودوافعها، إنما هي جريرة الشيعة، والتعبير عن إرادتهم.
الإشكالية التي يجري التمويه عليها تتمثل بشكل صارخ في التغطية على الاسباب الحقيقية التي تدفع الى الابقاء على مصادر الازمات السياسية وفتائلها، في حالة كامنة قابلة للانبعاث، وهي ليست دون ادنى شك، منطلقات لحماية مصالح الشيعة وسلطة الطائفة، كلما تصاعد الصراع على مراكز النفوذ والامتيازات، خصوصاً من قبل الماسكين بزمامها بقوة لا تستند الى اي اعتبار دستوري، او اخلاقي، او معيارٍ يحول دون الانزلاق الى مواجهة يكون العراق، بقضه وقضيضه، وقودها وضحيتها المجانية. وهذه الإشكالية، تحرض سائر الاطراف المتورطة بهذه الدرجة او تلك، في التغطية عليها، ومواربتها، خشية انفضاح الدوافع الدفينة، وكشف المستور الذي يهتك الأسرار السياسية، التي ليس لها اي علاقة او مصلحة بالطائفتين، الشيعية والسنية، بل بأطماع سلطوية خالصة.
واذا أراد المخلصون على الضفتين ادراك هذه الحقيقة، والانطلاق منها للتحرك في مختلف الاتجاهات والمستويات السياسية والمجتمعية، لدرء المخاطر المنذرة، وتفكيك أسبابها، فانهم مطالبون قبل اي امر آخر، بتشخيص الخطر المباشر، وما يمثله من قوى وأدوات وأهداف، ليتسنى لهم، تَدبّر الوسائل الكفيلة بالتصدي لهذا، وتعبئة كل الإمكانات السياسية والعسكرية والأمنية والمجتمعية، لدحره والحاق الهزيمة به.
وهذا الخطر، رغم كل التشابكات والتعقيدات التي تحيط بالمشهد السياسي، والأخطاء والكبائر التي ترتكبها السلطة وقيادتها المغامرة، يتحدد بوضوح في القاعدة وداعش وما تفرزه بين اونة واخرى من تنظيمات مسلحة وعمليات اجرامية تطاول كل المدن والشرائح الاجتماعية والمكونات العراقية دون استثناء. ويُخطئ من يتوهم بان هذه المنظمات التكفيرية ومن يسندها سراً او علنا، تشكل ظهيراً او خطوط دفاعٍ عسكرية وامنية لاهلنا من الطائفة السنية. كما يغرق في وهم أزيد من يرى فيها بديلاً سياسياً، يحفظ لها حرمتها، ويمنحها ما يُكَفل لها تامين سلطة سياسية تجسد تطلعاتها، وهم في مثل هذه الحالة، كالمستجير من الرمضاء بالنار! وقد عاشت الانبار والفلوجة والمنطقة الغربية كلها، تجربة تسلط القاعدة وأشباهها على مقدرات الناس فيها وتعرفوا على حقيقة دعاواها وأساليبها ومدى ارتداعها بقيم الدين والمذهب.
ان العقلاء من القيادات العربية السنية، السياسية والعشائرية، يدركون هذه الحقيقة، عن طبيعة الصراع الدائر، ومن يحركه، وما يقف في أساسه من دوافع، لكنهم يخشون ان يفضي إخماد الفتنة وهزيمة القاعدة وداعش، الى اضعاف مواقعهم، وتعزيز مواقع رئيس مجلس الوزراء وحزبه وكتلته، كما لو انه استطاع ان يطيح ويهزم العدو الإرهابي التكفيري، مما قد يمنحه فرصة تكريس سلطته المتهاوية، وتحسين صورته بين الناخبين الشيعة!
ولكن لماذا لا يكون العكس هو الصحيح، وهو بإمكاننا وبقدرتنا لو شئنا، بان نكون في الموقع الصحيح من الصراع، بالضبط في الموقع المواجه للارهابيين، فنحقق الالتفاف عليه، ونسحب البساط من تحت أقدامه، ونبسط نفوذنا وسلطتنا، كامتدادٍ وتعبير عن الدولة، رغم انها فاشلة، ورغم انها شبه دولة، ورغم ان من يهيمن على مقدراتها، في الظرف الراهن لا يجسد إرادتنا، ويغتصبها خارج المسارات الديمقراطية؟
ولماذا لا نبادر نحن، لبسط أيدينا، لكل المتضررين من السياسة المغامرة التي ينتهجها، دون رادع، السيد المالكي، والمتضررون هم (بلغة النظام السياسي الطائفي الرث)، كل اطراف التحالف الوطني، وان لم يعلنوا صراحة، ومنهم شخصيات وأطر تندرج في "دولة القانون"، وكذلك التحالف الكردستاني وقيادة إقليم كردستان؟ لماذا لا ندعو الى اصطفافٍ وطني، على اوسع ما يكون في مواجهة القاعدة، وفي التصدي للنهج والسياسات الحكومية التي تغذي الازمات وتوقظ الفتنة كلما خمد أوارها، وتضع البلاد على شفا هاوية؟
قد نتفهم الشكوك التي تراود هذه الاوساط العقلانية، التي تعيش بين مطرقة السلطة المتعجرفة وسندان القاعدة وداعش، من وجود مركز قيادي قادر على "لَمّ شمل" الكل حول طاولة حوار وطني، بعد ان تبين ان "معجون ميثاق الشرف" الذي طرحه السيد الخزاعي، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، بل وبلا التزامٍ بمقتضيات الشرف السياسي. لكن على هذه الأطراف ان تتوجه الى من ترى فيه الثقة في ان يتولى هذه المهمة الوطنية المشرفة، وبإمكانه ان يكون مركز استقطاب، لا يحابي على الحق او يساوم على الدستور ومقومات العملية الديمقراطية.
إن طاولة تجمع السادة مسعود بارزاني ومقتدى الصدر وعمار الحكيم وإياد علاوي وأسامة النجيفي واحمد الجلبي، الى جانب القيادات المتعقلة في التحالف الوطني، دون استثناء، والقيادات السياسية والمجتمعية النافذة في الطائفة السنية، من نينوى والمحافظات الغربية كلها، قد تكون المدخل الى اعادة الامور الى المسار الذي يمكنه ان يفضي الى التهدئة او ابعد من ذلك، وحتى ما تسفر عنه الانتخابات التي يتمنى فريق السلطان ان لا ترى النور!
فاتني ان اذكر، ان المكان المناسب لعقد مثل هذا الاجتماع، بما يدلل عليه من رمزية وتأثير قد يكون النجف وليس بغداد التي حولها السلطان إلى عاصمة ثكنته، واذا تعذر ذلك فأربيل التي احتضنت اكثر من لقاء وطني افشله من "تأبط شراً " ..!
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
اولا لم يبقى نسيج اجتماعي قابل للحياكة والريافة كونه احترق فعلا ولم يتبقى منه غير الرماد وهذه حقيقة يااستاذ فخري اما بخصوص الاصطفاف الوطني اين هذا الاصطفاف الم يصطفوا من قبل في اربيل والنجف وبغداد واقسموا بالله والشرف والعقيدة فماذا كانت النتيجة غير بدا ص