عند فجر اليوم الأول من العام الجديد 2014 تسلمت بطاقات غير متوقعة، ولأن أحلام الفجر هي خلاصة أوهام الليل، فما أسعدني بتلك البطاقات التي وصلتني على غير العادة، مضامين وأشكالاً، لأن أغلبها كان مكتوباً بفراشي رسامين على رقائق من البلاستيك أو الخشب وأحياناً على ورق مقوى، على أن تلك الكلمات التي حملتها بطاقات (أصدقائي) أولئك كان يغلب عليها اللون الرمادي بتدرجاته نحو الخفيف، ثم الأخف، حتى بلوغ درجة الضباب.
كانت أجمل بطاقات تسلمتها في عامنا الجديد، رغم أنني لم أستطع فك شيفرات بعضها إلا أنني هجست حروفها بعد أن أعدت ترتيبها لأقتنع، أو أقنع نفسي، بأنني فهمت محمولاتها الغامضة التي تشبه اللوحات الفنية.
الغريب أن تلك البطاقات كتبت بلغات أجنبية لم أفهمها إلا أن ما جاء منها بالإنكليزية وصلني على شكل ومضات خاطفة، من فنانين تشكيليين مشاهير، عبر عقود مديدة تقريباً. أعني عقود ازدهار الفن التشكيلي في تجاربه الكبيرة، منذ رافييل حتى آخر طفل تشكيلي ولد مع ولادة العام الجديد.
الأحلام تطرح أسئلتها ،سواء أحلام اليقظة أم أحلام النوم، ومنها لماذا خصني، أنا الشخص المنسي عند بوابة كل عام جديد، أولئك الفنانون الكبار بتلك البطاقات الغريبة، المبهمة، المكتوبة بفراشي الرسم، حتى لكأن مرسليها كتبوها عند لحظة فرح بكر، قبيل الشروع برسم لوحة، أو عند فرح تالٍ بعد الانتهاء من رسم لوحة؟
هل كان ذلك تعويضاً عن كآبة عادية شملتني أثناء سهرة شبه عائلية في مطعم يوناني زينت جدرانه بلوحات ركيكة رسمها فنان إغريقي، أو أكثر، لغرض تزيين جدران مطعم لا أكثر؟
كنت أكتب انطباعات سريعة خلال الحلم وأتمسك بتلك اللحظة الشعورية لأبقي على ما يتوشّل من (أفكار) شخصية كي لا تتلاشى بعد اليقظة عند فنجان القهوة الصباحية الذي كان هو الآخر مبهماً: كان لون القهوة رمادياَ!
هل نفكر أثناء الحلم؟
ينبغي العودة إلى سيغموند فرويد، نعم. أو يونغ. ربما يعينني غاستون باشلار أيضاً..
في تدرجات الرمادي التي جاءت في تلك البطاقات ثمة بهجة استثنائية غمرتني عند أكثر من مستوى وأنا أتأملها: الرمادي لم يغادر رماديته في البطاقات لكنّه تحوّل في روحي إلى ألوان زاهية كما وضعها فان كوخ أو غوغان أوهنري ماتيس أو كاندنيسكي أو مانيه أو مونيه أو من يشبههم من الملونين المشاهير عبر تاريخ الفن التشكيلي في أزمنته المتأخرة، المتحوّلة، حتى أن أشهر كئيب منهم، فان كوخ، جعل من البنفسجي فضاءً لملايين الألوان.
بطاقات (أصدقائي) - التي أمدتني بفرح مبهم، هو الآخر- وضعتني حيال كآباتهم، فهؤلاء، أساتذة اللون وبهجاته غير المتوقعة، لم يضعوا حتى نقطة واحدة ملونة تكسر رمادية كلماتهم التي وضعوها عند تلك اللحظة التي تسبق الرسم أو التي تعقب نهاية الرسم، فهل هم كئيبون إلى هذا الحد؟
الفنانون الذي بعثوا ببطاقاتهم المخلصة كلهم ميتون.. هل يكتئب، أو يفرح، الفنان الميت؟
ولمَ هذا التوقيت المباغت، المحتال، غير المتوقع الذي اختاروه (اليوم الأول من العام الجديد) كي يختاروني؟
لم يكن أساتذة اللون على هذا البخل ليخصوني ببطاقات رمادية لأن المبدعين على غاية الكرم الروحي متجسداً بألوانهم الباذخة.
هكذا فكرت وأنا أحلم!
هل يفكر المرء أثناء حلمه؟
عدا فرويد ويونغ وباشلار، تسعفنا أناييس نين: "علمتنا دراسة مرض القلب ما القلب السليم. وعلمتنا دراسة العصاب العلاقة بين الحلم والحياة. ويستمد العدد المتزايد من الكتاب إلهامهم من الأحلام".
هكذا كان حلمي فجر اليوم الأول من العام الجديد!
بطاقات الفنانين الرمادية
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2014: 09:01 م