يشتبك الساسة الأردنيون مع هواجسهم ومخاوفهم، من اتفاق فلسطيني إسرائيلي، لايأخذ مصالح الأردن بعين الاعتبار، ومن مخاطر نشوء دولة جديدة تقتطع أراضيها من العراق وسوريا، ويحكمها تنظيم القاعدة ، وتدور الأحاديث عن خطط ستراتيجية يجري وضعها على عجل، للتعامل مع أية مفاجآت سياسية قد تأتي من الحدوده الغربية، وتتمثل بوضع غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية، ما قد يجبره على إعادة النظر في اتفاقية السلام المعقودة عام 1994 مع الدولة العبرية، فيما عينه الثانية تراقب ما يجري في الأنبار، وتحصي خسائر النظام السوري في المناطق المحاذية لحدوده، لصالح قوات جبهة النصرة، وإمكانية توحد أهداف المقاتلين المتشددين هنا وهناك، في بناء دولة سُنّية، تخوض حروباً مذهبية، لن يسلم من تداعياتها.
من ناحية فإن "اتفاقية الإطار" التي يروجها جون كيري، مرفوضة لمساسها بالحدود الأردنية الفلسطينية، وتمحو حق العودة، وتفرغ الأرض المحتلة من سكانها، وتذوّب الدولة الفلسطينية على مراحل، وبديهي أن تواجد قوات أمريكية أواسرائيلية، على الحدود الأردنية مع الدولة الفلسطينية العتيدة، مخالف لاتفاقية وادي عربة، وواضح هنا انسجام الموقفين الرسميين الأردني والفلسطيني، الرافض للفكرة من أساسها، أما بالنسبة لحق العودة فلابد من الرجوع للقرارات الدولية بهذا الخصوص، وهي جميعها تعترف بهذا الحق، وتحث الدولة العبرية على تسهيل عودتهم، أما اتفاقية كيري، فتنص على أن تمنح دول الخليج بطاقة حق الإقامة الدائمة، للعاملين فيها من الفلسطينيين اللاجئين، وتساهم في توفير نفقات إعادة تأهيل اللاجئين في أماكن وجودهم، إلى جانب منحها الدولة الإسرائيلية والدولة الفلسطينية حقاً مشتركاً في السماح لأي لاجئ من الخارج، بدخول الأراضي التي تسيطران عليها بغرض الزيارة ،مع حق الإقامة المؤقتة.
وإذا كانت إقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة وذات سيادة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس"، من الثوابت التي يتمسك بها كل فلسطيني وأردني، فان اتفاقية كيري تنص على بقاء المستوطنات ذات الكثافة السكانية تحت السيادة الإسرائيلية، ومنـــح قاطنــــيها حق الحصول على الجنسيتين الإسرائيلية والفلسطينيـة، والإتفاق على وضع تعريف مشترك لعبارة "الكثافة السكانية"، مع تفكيك المستوطنات الصغيرة ذات الكثافـــة العشوائية، كما أن الخبث يبرز على ملامحها بسلخ الضفة عن القطاع، وترك سكانه رهناً للتحولات السياسية في المنطقة، وهي بالتأكيد ليست في مصلحتهم، وواضح أنها لن تكون في مصلحة الأردن أيضاً.
على الحدود الشمالية والشرقية لمملكة الهاشميين، تمكنت جبهة النصرة من تثبيت اقدامها، بينما داعش تسيطر على مساحات واسعة من صحراء الأنبار، ورغم حدة الهجمة عليها من مسلحي العشائر والجيش العراقي، فإنها لن تتخلى بسهولة عن المناطق التي سيطرت عليها، وإذا تمكنت من الصمود في الفلوجة والرمادي، فإن فرصتها في التواصل مع عناصر التنظيم في سورية ستكون ممكنة، وسينقلب الصراع إلى حرب بين الأطراف السُنّية، وعندها فإنَ الأردن سيواجه أخطر تهديد سياسي وأمني، ذلك أن دولة داعش ستكون محاطة بخلال مذهبي شيعي ضاغط، لايترك أمامها جُغرافياً غير البوابة الأردنية، لتحافظ على مقومات وجودها، وستجد نفسها، مجبرة على التمدد، وتوسيع قاعدة نفوذها صوب الأردن، خصوصاً مع وجود مئات الأردنيين بين عناصرها المقاتلة.
يؤكد مطلعون على ما يدور في مطبخ القرار الأردني، على عمق المخاوف من وضع اتفاقية الإطار الأميركية المنشأ موضع التنفيذ، دون إحاطة الاردن علماً، أومراعاة مصالحه، كما هو في كل الأحوال أمام مواجهة محتملة مع قوى التشدد، تستدعي بناء شبكة تحالفات إقليمية ودولية واسعة، وعدم التردد في إتخاذ كل التدابير السياسية والدبلوماسية الممكنة لتعطيل اتفاق من وراء ظهرها، حتى لو استدعى الأمر خطوات انقلابية حادة في مواقفه الإقليمية، ومع ذلك كله، أو قبله، النظر بجدية إلى الجبهة الداخلية المرتبكة، والمخترقة سياسياً واقتصادياً، وسط منطقة مهددة بتصاعد حروبها الأهلية الطائفية.
الأردن.. صعوبات وخيارات
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2014: 09:01 م