في مثل هذا اليوم ٦ كانون الثاني من كل عام، يستذكر العراقيون مآثر الجيش العراقي الذي تأسس في عام ١٩٢١. وقد ترافقت خطوات تأسيس الجيش، كنواة تمثلت في دوائر عسكرية ومقرّات، مع تشكيل أول حكومة عراقية قبل ذلك ببضعة اشهر فقط، لتدلل على العلاقة العضوية بين
ولأنه اعتمد في تأسيسه، على قواعد وضوابط تأخذ بالولاء للدولة، كحاضنة، وتنأى عن تدجينه باتجاه ولاءات فرعية، رغم الهنات التي ارتبطت بغياب نواتات تؤهله ليكون قاعدة الانطلاق في التأسيس، فإن عقيدة الجيش تجسدت في الدفاع عن حدود الدولة "الوطن"، والالتزام بثوابت كان من ابرزها، رفض الانخراط بالعمل السياسي، او التحول الى أداة قمع للشعب والحركة الوطنية. وهذا ما اكد عليه الدستور الجديد، بعد اطاحة دكتاتورية البعث، حيث حرّم زج الجيش والقوات المسلحة في الصراع السياسي، وكرس عقيدته الدفاعية عن العراق.
وخلال مسيرته التاريخية، كان الجيش حين يُجبر على النزول إلى الشارع في مراحل تصاعد النضال الوطني الجماهيري، حريصاً على "تآخيه" مع الشعب، ورفضه الصدام به. وكانت من بين الشعارات التي تهتف بها الجماهير إبان التظاهرات والانتفاضات والوثبات، شعار التآخي بين "الجيش والشعب".
ورغم الانعكاسات السلبية "لصبغة الطائفية المغلفة" التي اعتمدها العهد الملكي، فأن ذلك لم يؤثر في ولاء الجيش، جنوداً وضباط صفٍ وضباطاً، بانحرافه عن عقيدته الوطنية، وولائه للشعب العراقي. وقد اكد هذا الولاء بشكل مطلق صبيحة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨، عند قيامه بحركته الثورية بإطاحة النظام الملكي، املاً في خلق ظروفٍ موضوعية وذاتية مواتية، لبناء دولة وطنية ديمقراطية، تجسد تطلعات الطبقات والفئات الاجتماعية المتضررة من النظام السابق، ووضع العراق على طريق البناء المستقل والتطور الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة.
ان تحولاً نوعياً خطيراً، شهده الجيش والقوات المسلحة العراقية، مع صعود البعث وحلفائه الى سدة الحكم في ٨ شباط ١٩٦٣، دون ان ينقطع او يتراجع هذا التحول بعد انقلاب حلفاء البعث عليه، واستيلائهم على السلطة السياسية، اذ فرضت الطغمة الجديدة، أيديولوجيتها وعقيدتها السياسية على الجيش، وعملت بتدرجٍ وقسرٍ على حرفه عن مهامه وعقيدته الوطنية، واخضاعه لغسيل دماغٍ مستمر، حتى استطاع صدام حسين، تبعيثه "ولو شكلياً" وتوريطه في حروبه المحلية ضد الشعب الكردي، وفي قمع انتفاضة آذار، وفي مغامراته وحروبه الخارجية.
وجاء الاحتلال الاميركي، ليتخذ حاكمه المدني بول بريمر، القرار المعزول عن الواقع بحل الجيش، الذي كان انفرط عقده في الواقع، وتبخرت قواته، كما لو انه لم يكن اصلاً، وانتشرت آلياته وأسلحته الخفيفة والثقيلة في طرقات العراق، ومحلات المدن والقصبات، وصارت له، على عجل، في بغداد ومدن رئيسة، اسواق تكتظ بكل ما يرغب به "الإرهابي" والمعادي للعراق الجديد، وتبيع معداته بشروى نقير..!
ثم تغابى الحاكم المدني للاحتلال، مستعينا بمستشاريه الذين تسللوا الى معطفه من الولايات المتحدة، متجاهلاً حقائق الحياة المعقدة التي عصفت بالعراق خلال ثلاثة عقود ونيف، ومتجاوزاً الواقع المرير ثانية، فأعاد بناء الجيش والشرطة وحرس الحدود، بمن يرغب من افراد الجيش والشرطة السابقة، دون استثناء لأصناف لم يكن لها حضور سابق، من الهاربين او المطلق سراحهم في آخر عهد النظام السابق، من المحكومين بجرائم مخلة بالشرف، واصحاب السوابق. واختار هو من الموالين له، من تصور انهم انتقلوا الى صفه، بعد سقوط الدكتاتورية، ليتولوا قيادة القوات الجديدة!
وتعرضت القوات الناشئة الى العديد من التصفيات وإعادة الفرز من قبل القيادات الاميركية المتعاقبة، كما جرى الفرز من داخل القوات نفسها، عن طريق افتضاح هوية بعضها، وتورطها في عمليات السلب والنهب والاغتيال والخطف، وكذلك انكشاف خلايا نائمة ترتبط بالمنظمات الارهابية، لكن التحول النوعي الابرز الذي تعرضت لها، تمثل في تكريسها على اساس المحاصصة الطائفية، ومحاولة خلق "توازن" داخلها يتماشى مع "العملية السياسية" المبنية على قواعد تقاسمٍ لا يمكن معها ارساء اسس وحدوية وطيدة لاي كيان يراد له ان يجسد تطلعاً وطنياً، فكيف اذا كان المقصود "اداة قوة" تحمي الحدود وتدافع عن حياض الوطن؟
لقد اصبحت عقيدة الجيش، بحكم الواقع، وليس وفقاً لمقتضيات ومبنى الدستور، الموالاة للطائفة، بل وللحزب الذي ينتمي اليه المجند او الشرطي او الضابط والقائد. وصار الولاء مع تكرس سلطة فردية، تهيمن على القرار السياسي والعسكري، للحاكم داخل الطائفة!، وتكاملت اللوحة مع ضم ما سمي بـ"قوات الدمج" من الميليشيات والاحزاب، ومنح العشرات والمئات منهم رتباً عسكرية عالية، ومناصب قيادية على رأس الفرق والوحدات والتنظيمات المسلحة.
ومثلما تتداعى صروح الدولة الفاشلة، ان لم يجر تدارك التداعيات المرتبطة بذلك، ويؤخذ بما يساعد على ايقاف التدهور الخطير في الوضع السياسي والامني، فان اعادة بناء الجيش والقوات المسلحة ترتبط عضوياً بمعافاة العملية السياسية جوهرياً. ولا تتوقف عملية البناء عند الحواشي والاطر فحسب، وانما يقتضي ذلك، تجذير العملية السياسية، دستورياً، اذا كان ذلك ممكناً، من حيث توازن القوى، دون الاخلال بالاكثرية والاقلية على قاعدة المواطنة الحرة، ودون تعريض المسار الديمقراطي الى الانحراف.
ان اتساع اخطار التآمر على التجربة الديمقراطية، سواء من داخلها، او من وراء الحدود، وتصاعد العمليات الارهابية للقاعدة وداعش، يُظهر بجلاء مدى حاجتنا لتكريس جيش وطني موحدٍ، ولاؤه المطلق للدولة باطارها الدستوري، وبعقيدته الوطنية الموحدة، وباحترام النظام الديمقراطي الاتحادي التداولي.
سلام لجيشٍ يذود عن الوطن، ويقدس المواطنة..
سلام لجيشٍ ينأى بنفسه عن الانحياز لحاكمٍ، او طائفة، او حزبٍ، على حساب المجتمع والنظام الديمقراطي، والدستور.
سلام للجندي الذي ضحى بحياته حين احتضن ارهابياً تكفيرياً، وآثر ان يتفجر معه، ليحمي مواطنيه..
سلام لكل ضابط او جندي، يقاتل بلا هوادة كل إرهابي، اياً كانت طائفته او ملته، لانه يحاول التطاول على العراق بهويته الوطنية الديمقراطية..
سلام لجيش سيتعافى، حين ننفض عنا لوثة الطائفية، وننزع معها كل الضغائن والكراهية، المبنية على الجهل والجهالة والعمى السياسي..
سلام لمولد الآتي المرتجى..!
جميع التعليقات 3
جمال المذحجي
أستاذنا المحترم كل المثقفين يكنون لك كامل الاحترام وصفك فيه كثير من التجني على الجيش ،العراقي والحكومة العراقيه ،وكونك من العراقيين الذين لهم كلمه في الواقع السياسي العراقي فالمطلوب من قلمك المحترم ان يقوم الأخطاء لا ان يضع الحطب في المرجل ،العملية الس
ابو سجاد
استااذ فخري كيف تريد ان تبني جيش عراقي وطني موحد وعلى راس السلطة طائفي ومن حوله طائفيون وجهلة وسراق مال عام اين صفقة السلاح الروسية والبلغارية والجيكيكية وغيرها من الصفقات التي كان المتهم الاول فيها المالكي ومن حوله وثلة من اقذر البعثيين الذين باعوا له ا
نبيل
جيش تشكل من مليشيات جاءت على ظهر دبابة المغازي لبلادهم لا يمكن ان يصبح جيش وطني يوما ما يجب ان يتم حله واعادة تشكيله على اساس وطني وتجنيد اجباري لكي لا يكون طائفي