TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليس منّة على أهل الأنبار

ليس منّة على أهل الأنبار

نشر في: 6 يناير, 2014: 09:01 م

الدرس الابلغ في العراق بعد ١٠ اعوام من العنف، يفيد بأن لدينا مالاً وفيراً يساعدنا على شراء الدبابات والطائرات، ويسهل علينا بناء جيش قوي، في صفوفه آلاف المضحين بصدق. لكن القدرة على شراء السلاح والجند، لا تعني ان المال بمفرده يمكن ان يسهل علينا الحصول على الحكمة، وموهبة التدبير، وإقناع كل العراقيين بأن يصبحوا نموذجاً للمواطن الصالح المؤمن بالدولة، والذي لا يرفع بوجهها السلاح.
ولذلك ولاسباب اخرى، قد يظل جيشنا عالقاً في معركة الانبار الى ما شاء الله، اذا لم ترافق حملاته، تدابير سياسية متعقلة، تحسن صناعة الضمانات التي من شأنها اقناع العراقيين هناك، بأنهم عراقيون يتمتعون بحق العيش الكريم وحق ان يعاملوا باحترام.
وفي هذا الاطار فإن اي محاولة نبذلها لتفهم اهل الانبار والنظر في مشكلتهم، ليست منة نمنّ بها عليهم، بل ان اي مساعدة نقدمها لتهدئة اوضاعهم، هي مساعدة لانفسنا اولاً، ولكي لا يمضي جنودنا، عيدهم الذي صادف البارحة، وهم في موقف حرج قد يضطرهم الى مواجهة بني جلدتهم، دونما مبررات يصدقها اهل التدبير والعقل.
ان المعركة الحقيقية اليوم تتمثل بضرورة ان نساعد اهل الانبار كي يتفوق عقلاؤهم على حمقاهم. وفي كل امة عاقل رشيد، وأحمق ناقص العقل. والامم المحظوظة هي المؤهلة لتعريف معايير التعقل ودعمها. وتقديم مساعدة كهذه لاهل الانبار، لن ينجح الا بأن نساعد انفسنا في بغداد والنجف والبصرة، كي يغلب صوت حكمتنا، زعيق حماقاتنا، وننجح نحن في اسكات ناقصي الحكمة وتشجيع اهل الحجى والكياسة على التدخل وردع الجنون أياً كان مصدره.
ان التعاطف مع السنة عموماً، ليس انحيازا لهم. فهم ليسوا افضل المكونات. نخبتهم السياسية منغمسة بالفساد مثل باقي ساسة العراق. شبابهم تشيع بينهم الانحيازات الطائفية كثيراً او قليلاً، وبينهم كثيرون متورطون بالعنف، مثلما هو الحال مع المكونات الاخرى التي مارست افعالاً واعتمدت سياسات ادت الى تعقيد حل الازمات غرب البلاد.
لكن التعاطف مع سنة العراق وأهل الانبار، هو محاولة لفهم مأزقهم. ومأزق سنة العراق هو مأزق عراقي، اذا لم يتخفف فإن تداعياته ستلحق ضررا كبيرا بالاكراد والشيعة وغيرهم من العراقيين.
ان مساهمة اي منا في فهم المسألة السنية هو عمل لصالح الشيعة والاكراد في الوقت نفسه. اذ لن يمكن للعراقيين ان يهنأوا بعيش اذا كان السنة في غرب العراق يعانون الهوان سواء على يد داعش او على يد رئيس حكومة تنقصه الحكمة.
ليس منة على اهل الانبار ان احاول انا الشيعي (او انت الكردي والتركماني) ازالة الالتباس حول مواقفهم. ليس منة ان ندعو الى تجنب السياسات التي تمزق القيادات السنية. فسنة بلا قيادة متماسكة لن يكونوا مفاوضا جيدا لنا.. وستفشل التسويات معهم ويبقى ابناؤهم يفكرون بخيار العنف، الذي هو خيار من يعجز عن السياسة.
ليس منة منا حين نحاول مساعدة القيادات السنية على تهدئة جمهورها، لان هذا الجمهور حين يشعر باليأس، فسيمكنه تحويل الانبار الى لوحة فوضوية، و حينها لن يكون هناك عراق مستقر لا شمالا ولا جنوبا.
ان مساعدة اهل الانبار كي يتفوق عقلاؤهم على حمقاهم، هي معركتنا الحقيقية. ولن يكون ذلك الا بأن نساعد انفسنا كي يغلب صوت حكمتنا، على زعيق حماقاتنا. لان امساك الحمقى بمفاتيح الازمة لن يساعد في حلها. وسكوت العقلاء وصمتهم المريب، سيعمق الفجوة والانقسام.
ان افضل هدية للجيش في عيده، ان نبادر لتجنيبه مواجهة تلك المواقف الحرجة التي تسقط هيبته. ولن يكون هذا الا ببدء حوار مع اهل الانبار، يخوضه مفاوض جديد، لان مفاوضنا القديم تخبط وفشل وورط الجميع. والمساعي في هذا الاطار، ليست انحيازاً للسنة ولا منة عليهم، بل هي من اجل جيشنا وهيبة دولتنا، أولاً وأخيراً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. المدقق

    اين اصبحت اقوالك السابقة حين زرت ساحة الفتنه وكنت قد قلت انها ساحات للتعلم والدروس والاعمال البريئة ؟؟ ها قد اتضح لك ولغيرك ماذا كانت تعني اعتصامات ساحة الفتنه . وبدلا من اعترافك بانك مخطيء رحت تعطي دروسا للساسة في كيفية لملمة الموضوع وجعلت نفسك مدافعا عن

  2. الناصري

    الشكز الجزيل لك يا استاذ سرمد على هذا المنطق العقلاني وهذا الطزح المتفهم لعمق المشكله ونرجو من الله ان يستمع له سياسيو الصدفه .....ولكن يا اخي ماذا ترجو من شخص او سياسي.وضع نفسه ونصبها عميلا لدوله اجنبيه لا تريد لنا الخير لا اليوم ولا غدا انهم لايستمعون

  3. محمد سعيد العضب

    العجرفه وتخليد انا الشيعي الوحيد الذي يدافع علي الحفاظ عل سدنه الحكم برغم الضياع وشيوع الفوضي ,كلها تصب في متاهات الفكر غير المسوؤل والتمكن حقا او باطلا عبر شعارات واهيه من اخضاع كافه قاده الاحزاب الدينيه الشيعه الاخري سواء لخوفهم المستديم

  4. Ahmed. agha

    الكل يعرف ان ولاية المالكي الاولى تختلف عن الثانيه الاولى كانت جبده نوعا ما .اما الثانيه فبدائها بمشاكل مع الاكراد وخسر ثم بداء مع السنه العرب بضرب قيادتهم المنتخبه الواحد تلو الاخر اما بالفساد او الارهاب والتهم جاهزه وبعدها اراد ان يزيد الطين بله قام بعت

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram