منذ أيام تدور رحى نقاشات طاحنة في الصحف والفضائيات والمواقع الإلكترونية وفيسبوك وتويتر، وكلها تطرح سؤالاً واحداً: هل شاهدتم كيف استقبلت كربلاء المهجرين من أهالي الأنبار؟
وأنا اقرأ تحليلات لكُتّاب من مختلف المشارب والأهواء سألت نفسي سؤالا: ترى متى نستطيع نحن المثقفين ان نقدم تحليلاً علمياً لما يجرى في العراق هذه اللحظة؟.. ومتى يمكننا نحن المنشغلين بالتنظير ومعارك المصير، مواجهة الحاضر دون الانشغال بالماضي وتقليب دفاتر تثير الأسى والشجن؟.. طبعا لا احد يمكن له ان يصادر حق أي كاتب اوسياسي او عضو مجلس نواب في ان يقدم وجهة نظره لما جرى ويجري الآن في البلاد.. ولكن ليس من حق احد ان يحول العلاقة التاريخية بين ابناء الشعب ، إلى شتيمة لكل العراقيين وان يضع نفسه وصياً على شكل ونوع العلاقة التي تربط بينهم فمثل هذه الأفعال لن تساعد العراقيين في شيء، ولن ترجع الروح الى عشر سنوات من أعمارهم ضاعت في ظل صراع سياسي على كعكة البلاد.
لكن ما مناسبة هذا الكلام؟
المناسبة أن بعض نواب التحالف الوطني للاسف صدعوا رؤوسنا بأهازيج النصر وفي توزيع الاتهامات على كل من لا يعجبهم ، بل حاول البعض ان يعطينا دروساً في فنون الوطنية، وأساليب الحفاظ على اللحمة من خلال مقولات وجمل مستهلكة، فوجدنا نائبة تصرخ " انظروا الى أهلي في كربلاء كيف يستقبلون المهجرين من الأنبار " وكأن الأنبار دولة مجاورة وسكانها لا يرتبطون مع أهالي كربلاء برابطة الدم والتاريخ والقرابة. فيما خرج علينا نائب بخطاب سمج وساذج يطالبنا فيه بان نحيّي الروح الوطنية لأهالي كربلاء الذين تناسوا ضحاياهم وفتحوا بيوتهم لمن كانوا يشتمون الشيعة.. ونسى النائب " الانتهازي " ان الذي يربط بين الأنبار وكربلاء اكثر مما يربطه بالعراق.
يدرك السادة النواب ومعهم معظم الساسة إن العراقيين بكل طوائفهم ذاقوا الظلم مضاعفاً حين حاول الجميع تحميلهم وزر جرائم أخطاء وخطايا الساسة، ولكنهم عانوا اكثر من مرارة الطائفية التي نكلت بالجميع، سُنّة وشيعة، وسط تهليل سياسي من البصرة الى صلاح الدين، يهتف باسم المظلومية مرة والتهميش والإقصاء مرات عدة.
وأسأل السيد النائب قبل ان يسافر الى مقر إقامته في لندن عن أي شيعة يتحدث، وهل قدم السياسيون الشيعة لجمهورهم خدمات وامتيازات حتى نقول أنكم حريصون على مصالحهم وامنهم ، أليس العراقيون جميعا متضررين من فساد النخبة السياسية ومن انعدام الأمان ونقص الخدمات وأزمة السكن والبطالة والمحسوبية والرشوة والانتهازية وعصابات كاتم الصوت وسراق المال العام؟ هل حال كربلاء أفضل من حال صلاح الدين؟ أم حال الأنبار أسوأ من حال ميسان؟
هل ان الفاسدين واللصوص وسارقي الاموال ومثيري الفتنة الطائفية ينطبق عليهم توصيف شيعة المالكي، او خفافيش الارهاب وداعمي القاعدة يمكن ان نطلق عليهم تسمية سنة الهاشمي.. ان صبيان السياسة من كل الطوائف، هم جميعا من افسد وسرق ونهب وقتل على الهوية، لا فرق بين سياسي طائفي سواء أكان شيعيا أم سنيا، فالاثنان شركاء في تخريب الوطن وسرقة مستقبل الناس.
من الواضح أن كلاً من رؤساء وأمراء وملوك الطوائف العراقية، لا يتعاملون مع الحالة بالجدية المطلوبة، وإلا ما معنى هذا السيل من التصريحات التي نشرت هنا وهناك وجعلت كان كربلاء احدى دول الجوار، وان ابن الانبار مجرد لاجئ علينا ان نعامله بالحسنى والرأفة.
تخبرنا كتب التاريخ ان اثنين من رجال الشيعة الكبار ومثقفيها كانوا أول من تصدى للمشاريع الطائفية، وكان صوتهما واضحا من ان شيعة العراق جزء من الأمة العربية وهما محمد رضا الشبيبي وعلي الشرقي، ولا ننسى كيف رفض أهالي الموصل خلال الاستفتاء الذي اجري أثناء الاحتلال البريطاني الانضمام إلى تركيا، ودافعوا عن عروبتهم وتمسكهم بتراب العراق, هذا عراق تربت عليه الأجيال، أما اليوم فمشكلتنا ليست في الشعب وإنما في ساسة يتاجرون باسم الطائفة والدين، ويكسب البعض منها ثروات طائلة..بينما تعاني الأغلبية من الإهمال والفساد والرشوة.
أيها السادة نواب الصدفة، اذا كان بناء عراق مدني مستقر ومعافى في ظل جنابكم يبدو صعبا هذه الأيام، فان العراق الطائفي أشبه بالمستحيل فلا تفرحوا وتدقوا الطبول.
لسنا شيعة المالكي.. ولا سُنَّة الهاشمي
[post-views]
نشر في: 7 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 5
علي الخزعلي
رائع استاذ علي - - مقالتك اشبه بالرصاص الحارق الخارق لكل من عشعش في فكره افكار طائفيه مقيته تتلفع بعباءه الدين والدين منهم براء - - الشعب ليست لديه مشكله العقده بمن تغرب عن البلد ربع قرن وبدلا من ان يغادر هواجسه الماضيه عاد يعيش عليها وهو ماسك السلطه وا
الناصري
عاشت ايدك ......
عبدالعزيز الونداوي
قمنا عام 2008 بإستبيان سألنا فيه عامة الناس إنطلاقا من الكرادة إلى ساحة التحرير فباب المعظم فالأعظمية وإنتهاءا بالكاظمية وكان سؤالنا واحدا (لا نريد أن نعرف مذهبك ولكن هل زوجتك من نفس المذهب ؟).. بلغ عدد الذين سالناهم (2032) شخصا من الجتسين ... أجاب منهم (
حنا السكران
اكثر الاسئلة استفزازا و أهانة هو السؤال عن طائفة الشخص ,سؤال معيب ويا حبذا تشرع قوانين تمنع التحدث بالطوائف واعتبارها من المحرمات , الجهلة اصبحوا يتفننون في معرفة طائفتك دون سوال مباشر , من اي عشيرة انت ؟ من اي منطقة ؟ وان لم يفلحوا يجرونك للحديث ان كنت ت
adeel
مع الاسف العراق بلد الطائفيه