TOP

جريدة المدى > سينما > فصل من حياة جامع خردة..عن التهميش الذي تفرضه السلطة على غجر البوسنة والهرسك

فصل من حياة جامع خردة..عن التهميش الذي تفرضه السلطة على غجر البوسنة والهرسك

نشر في: 8 يناير, 2014: 09:01 م

دفق من الحزن يعتريك طيلة مدة مشاهدة هذا الفيلم ، إذ يأخذك مخرجه  " دانيس تانوفيتش " إلى مكان حقيقي ، يشهد عزلة غجر البوسنة ، ومدى الفاقة والحيف اللذين  يعانون ، مكان لم تتغير تضاريسه القاسية ، ويزيد البرد القارس والجليد المكان قسوة . أبطال

دفق من الحزن يعتريك طيلة مدة مشاهدة هذا الفيلم ، إذ يأخذك مخرجه  " دانيس تانوفيتش " إلى مكان حقيقي ، يشهد عزلة غجر البوسنة ، ومدى الفاقة والحيف اللذين  يعانون ، مكان لم تتغير تضاريسه القاسية ، ويزيد البرد القارس والجليد المكان قسوة .
أبطال الفيلم هم الأبطال الحقيقيون لهذه المأساة ، عرف تانوفيتش كيف يحركهم أمام كاميرته ، ليروا معاناتهم وحجم العزلة التي يعيشون وآثار الحرب التي اجتاحت البلاد عليهم ، مدى التمييز الذي يمارس ضدهم . فقدانهم للضمان الصحي والاجتماعي ، العمل في أوضع المهن ، ومنها مهنة جمع الخردة وبيعها .
يستعيد تانوفيتش المأساة ، ليجسدها الزوج نازيف مويتش ، وسينادا البمانوفيتش ، براعة أداء نازيف جعلته يحصل على جائزة افضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي لعام 2013 ، فعارف المأساة ومن عاشها يعرف بالتأكيد كيف يعيد سردها أمام الكاميرا ، وكانت سينادا اليمانوفيتش اكثر من بارعة ، وكأن الغجر يجيدون التمثيل مثلما يجيدون الرقص البهي الذي طالما أمتعوا الناس به .
عائلة غجرية تعيش في فاقة كبيرة ، لم يجد الزوج إزاءها  إلا ان يعمل كجامع خردة ، يحصل عليها من مكب لنفايات السيارات القديمة ، المبلغ الذي يحصل عليه قد لا يكفيه كفاف يومه ، ومع ذلك يشعر هو وزوجته بالرضا ، فلا أمل بالحصول على دخل أفضل في هكذا مكان قصي .
الزوجة تتدبر حال العائلة وتربي بنتين لا تكفان عن الحركة واللعب في مساحة البيت الذي بلا مساحة ، يبدو عليها آثار وسامة قديمة ، وأوشام تزين ذراعها وتعلن عن مهنتها  كونها غجرية ، لكن الفاقة والعوز وانعدام فرص العمل جعلها تبدو وكأنها عجوز أكبر من عمرها ، وازداد وزنها ، لكنها صبورة وشكيمتها عالية ، لا تريد ان ترهق الزوج الذي تعرف حجم ما يعانيه .
مأساة العائلة تكتمل بمعرفة الزوجة موت جنينها في رحمها ، وأنها تحتاج إلى عملية إجهاض لإخراجه وإلا فسوف تموت ،، من هنا يبدأ المخرج تانوفيتش طرح موضوعة التهميش الكبير الذي يعيشه الغجر في البوسنة والهرسك ، حيث لا وجود للضمان الصحي للزوجة ، ولا وجود للمال المطلوب لإجراء العملية ، ولا يبقى سوى الموت هو مصير الزوجة المحتوم ، وهذا يعني موت عائلة بكاملها .
لم يرغب المخرج تلنوفيتش باستدرار عواطف المشاهدين ، لا بكاء ولا نواح يعتري احد اً، ولا شكوى على طريقة بعض الأفلام العربية الساذجة ، بل هدوء وكفاح لحل الأزمة ، التضامن بين الغجر ، حيث يعيش أخو الزوج ، والجيران الآخرون ، تماسك الزوجة وعدم شكواها .
 تعاطف الطبيبة المشفى لا يفلح باستثناء الزوجة من تكاليف العملية ، رغم الاتصالات التي تجريها مع جهات أعلى ، وإخبارهم ان الموضوع ، موضوع حياة أو موت ، إنها الاستهانة بحياة الإنسان .
اللاعدالة السائدة ضد هؤلاء البسطاء تدفعهم للاحتيال ، احتيال يجعلك كمشاهد تتعاطف معه وتؤيده وتتمنى ان يمر ، وكأنك أنت صاحب المشكلة ، المأساة ، بعد عدة محاولات وذهاب إلى المستشفى ترفض الزوجة  بشدة ذهابها ثانية  إلى أي مكان ، فالرحلة بين البيت وبين المستشفى هي رحلة شاقة وسط هذا البرد القارس ، والسيارة غير المكيفة .
يهتدي الزوج إلى فكرة أن يستعير الضمان الصحي لشقيقته ، ويدعي انه لزوجته ويقدمه في مستشفى آخر ، حتى يتمكن من إنقاذ زوجته .
بعد نجاحه في ذلك تعود الحياة إلى إيقاعها القديم ، إذن لا حلول في الأفق .
تانوفيتش عمل الفيلم على طريق " الديكودراما " حيث عناصره وثائقية مأخوذة عن قصة حقيقية ،ووضعه في إطار روائي فني .
عناصر اللغة السينمائية ،تعامل معها تانوفيتش ببساطة ، فموجودات المكان كانت تحاكي الأحداث ولها دلالتها الواضحة ، خردة السيارات ، طلاؤها البارد ، أصوات الطرق على حديدها ، المناشير الكهربائية التي تقطع أوصالها تمهيدا لبيعها ، كل منها يحمل دلالاته الخاصة تبعا لوجهة نظر المشاهد ، وهو يختلف بالتأكيد من مشاهد لآخر .
الحوارات ، الوجوه ، المناظر ، جاءت كلها باردة ، تحاكي برودة وقسوة المكان ، ليس ثمة حوار زائد ، وليس ثمة وجوه مقحمة يمكن ان تعطي أملا أو ان تجمل المكان ، لأن الحكاية حقيقية وهؤلاء أبطالها ، وهم هكذا سواء في الفيلم أم في الواقع .
تانوفيتش يقدم رصدا رائعا لحجم معاناة الإنسان في البوسنة والهرسك ، حيث التهميش الكبير ربما ليس للغجر وحدهم وإن كانت حكاية الفيلم تتناولهم تحديدا .
كذلك فان مثل هكذا حكاية قد نجد لها حكايا مشابهة في أماكن وبلدان عديدة أخرى ، خصوصا تلك البلدان التي لا يسلط احد الضوء على مأساتها . وهي حكاية لبلد ربما لا يعرف الكثير عنه ، ويأتي الفيلم ليقول هذا ما يحصل في بلد اسمه البوسنة والهرسك...
الفيلم حصل على جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي ، وعرض في مهرجان أبو ظبي السينمائي السابع .
وسبق لمخرجه دانيس تانوفيتش أن حصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن فيلمه المهم " أرض محايدة " .وكذلك جائزة السيناريو في مهرجان كان السينمائي .
من أفلامه أيضا ، سيرك كولومبيا ، الجحيم ، فرز .
فيلم فصل من حياة جامع خردة يؤكد أن السينما ،، لا تخضع لشرط التوفر على الإمكانات التقنية العالية ، والممثل النجم المحترف فقط ، بل إن حكاية حقيقية بمعالجة فنية وسرد صوري متميز ، قد تنجز فيلماً مهماً ، كما هو في هذا الفيلم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عمر الشيخلي

    فلم أجنبي يستحق عناء المشاهدة لما أحتواه على مشاهد انسانية ماخوذة من واقع حياة الغجر في البوسنة والهرسك

يحدث الآن

وفاة المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل

الداخلية: طرد أكثر من 4 آلاف منتسب وإحالة 15 ألف قضية إلى المحاكم

ائتلاف المالكي يحذر من عودة المفخخات والتهديدات الارهابية الى العراق

طقس صحو والحرارة تنخفض بعموم العراق

الفصائل تهدد "عين الأسد" بسبب احتمالات بقاء الأمريكيين فترة أطول في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram