هزيمة يونيو 1967 حدث تسبب بانهيار وخلخلة في جميع أرجاء الأمة العربية ،وكان للجانب الأدبي والنتاج الفكري حصة لا يستهان بها من ذلك التخلخل ،لذا جاءت الكتابات الأدبية بصورة عامة والكتابات المسرحية بصورة خاصة مغايرة عما كانت في السابق حيث تنحى الكت
هزيمة يونيو 1967 حدث تسبب بانهيار وخلخلة في جميع أرجاء الأمة العربية ،وكان للجانب الأدبي والنتاج الفكري حصة لا يستهان بها من ذلك التخلخل ،لذا جاءت الكتابات الأدبية بصورة عامة والكتابات المسرحية بصورة خاصة مغايرة عما كانت في السابق حيث تنحى الكتاب المسرحيون منحنى يهدف إلى الانفكاك عن كل ماهو مألوف ومعتاد ،ومحمد الماغوط من أولئك الذين اقتنعوا بأن الأسلوب الملائم لمرحلة الاهتزاز السياسي والثقافي هو السخرية ،فالزمن الثقافي والأدبي هو زمن التساؤل والتشكيك في السائد وإعادة النظر في ما تكرس من أفكار ومواضعات في مجالات الفكر والسياسة والثقافة. لقد اقتنع محمد الماغوط بهذه الخلفية.
فكتب محمد الماغوط مسرحية " المهرج " في بداية السبعينات، أي عقب الحدث التاريخي الذي هز كيان الأمة العربية، وخلخل بنياتها الفكرية والسياسية .واتخذ الماغوط من السخرية السياسية عصا يتكئ عليها للعبور من مرحلة لابد من العبور منها بصيغة ومديات مختلفة عن كل ماتم العبور بها سابقا ،ولعل الدراما السابقة لم يكن لها الفعل المغاير كما هو حال الأمة العربية على كافة الصعد السياسية منها والثقافية وإن الشخصيات الدرامية السابقة لابد لها من الانهيار كما هو فعل الهزيمة والانهيار الجديد ولعلها من وجهة نظر الماغوط إعادة في إرجاع التوازن ،إذ لا يمكن أن يكون الاستقرار أدبيا والانهيار والتخلخل سياسيا ،فخالط الماغوط بين اللاتوازن في مسرحية المهرج وأكد أن الناحية المضيئة في الشخصية والأحداث المليئة بالبطولات والمفاخر والمواقف المتمثلة بالأبطال والشخصيات المتعارف عليها وحدها لا تحدث دراما فعلية. بل تكمن الدراما الفعلية في إبراز ما هو ضد هذهِ النواحي المضيئة. إن تقديم الشخصيات التاريخية من منظور آخر غير المنظور العام الثابت عبر التاريخ سوف يطيح بأغلب الشخصيات التاريخية التي عرفها التاريخ وتناقلها عبر الأجيال. ذلك لأن التاريخ لم ينقل لنا ما هو سلبي بل نقل لنا الغلاف الخارجي مبتعداً عن الجوهر الخاص للمجتمعات أولا وللشخصيات ثانياً. لذا لابد من تقديم الشخصيات التاريخية بشكل ساخر يدين الواقع السياسي والاجتماعي وإسقاط تلك الشخصيات من القمة التي بناها التاريخ لها دون أسس متينة تستند إليها الحقائق .
ينطلق الماغوط منذ بداية المسرحية إلى استخدام كافة أساليب النقد الجارح وأساليب التورية تارة والإسقاط المباشر تارة أخرى في عملية الإطاحة بشخصية وليم شكسبير الشخصية المسرحية والأدبية التي عرفها التاريخ بصورة عامة وتاريخ المسرح بصورة خاصة كان لها جانب من عملية الإسقاط المباشر الذي يتم بصورة واضحة عن طريق الهتافات التي يرددها الجمهور معلنين أن شكسبير ماهو إلا كاتب استعماري تقف وراءه أنظمة استعمارية بريطانية وأمريكية ،ولعل الإطاحة هنا تتم عن طريق إطاحة الكيانات السياسية المتمثلة بالدول .
فالماغوط هنا لجأ إلى أسلوب ( نزع القشور)للبحث عن البذرة داخل الهدف الأسمى ،فشكسبير هو شخصية تاريخية وأدبية أطاح بها الماغوط بغية الإطاحة بالبذرة التي تختفي خلف القشر ،فالتاريخ من وجهة نظر الماغوط ليس الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث والاهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بيت شتاتها وتجعل منها وحدة واحدة متماسكة الحلقات ممتدة مع الزمن والمحيط امتداد الكاتب المسرحي عبر الزمان والمكان ،فحادثة موت ديدمونة في مسرحية عطيل كان لها هدف آخر هو موقف ياغو من كل هذا .وياجو هو في الأصل يهودي يحاول زرع الفتنة والتفرقة ،والماغوط يسلط الضوء على تلك الشخصية التي كما يصفها (ظهرت فيها النوايا الاستعمارية في أبشع صورها وأحطّ أهدافها ).
والإطاحة الكبرى هي لكل ما يحيط بشكسبير ابتداء من الإطاحة الكبرى للاستعمار والإطاحة ببريطانيا ،وهذا يتمثل في الحوار المسرحي داخل المسرحية بين زبائن المقهى وأصوات تمثل الرأي العام .