حفلت قائمة عروض مهرجان بغداد الدولي للمسرح في دورته الأولى بحضور طاغٍ للجسد عبر الاحتفاء بهِ بوصفهِ علامة مُشكلة لغالبية العروض التي شهدتها قائمة المهرجان، فمن أصل 15 عرضاً هُناك 7 عروض جسدية مما شَكلَ دالة الثـراء الجمالي لناحية تنوع طروحات تلك العر
حفلت قائمة عروض مهرجان بغداد الدولي للمسرح في دورته الأولى بحضور طاغٍ للجسد عبر الاحتفاء بهِ بوصفهِ علامة مُشكلة لغالبية العروض التي شهدتها قائمة المهرجان، فمن أصل 15 عرضاً هُناك 7 عروض جسدية مما شَكلَ دالة الثـراء الجمالي لناحية تنوع طروحات تلك العروض بكُليتها أفرزت حالة من المُغايرة في الأساليب الإخراجية التي انتهجها صانعو عروض المهرجان الأجنبية والعربية والعراقية خصوصاً التي أكدت ذلك التنوع والتغاير , فتلك العروض قُدّرَ لها أن تكون يافطة المهرجان حينما نزعم أن ثراءً معرفياً وجمالياً كان هو حصادنا عبرَ مُلاحقة جميع العروض رئوياً ونقدياً . فالعروض العراقية حلقت بعيداً عن أنماط التداول التقني والخطابي التي غلفت صنعة المُخرجين الأجانب والعرب على حدٍ سواء , فعروض " كامب " لمهند هادي و " لم أزل أتلو " لمحمد مؤيد و"الطوفان " لأحمد عبد الواحد , كانت علامات فارقة في المهرجان ككُل .
" عربانة " .. الوجع العراقي
رابع نص مسرحي يكتبه سينارست الـ" TV " حامد المالكي ـ إخراج " عماد محمد " إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل , تمثيل (عزيز خيون , لمياء بدن , يحيى إبراهيم , بهاء مطشر , ضرغام البياتي , عباس فاضل , أحمد هاشم , أحمد ثامر ) . اجتهد " المالكي " في إعادة تشكيل التأريخ العراقي المُعاصر عبر السرد التأريخي الذي حفلَ بهِ نصه واللافتات النصيّة التي حاولَ من خلالها تأكيد هويتهِ وسيرورتهِ ككاتب مسرحي لكن " عربانتهَ " كانت مُتناصة ومُقتفية أثر نصوص فلاح شاكر وتحديداً نص " الجنة تفتح أبوابها مُتأخرة " , رُغم الاختلاف في تركيبية " العربنجي " مُقارنةَ بشخصية " الأسير " عند فلاح شاكر , رُغم أن المالكي كان مُنحازاً للطبقات المسحوقة , أجاد المُخرج في صناعتهِ الإخراجية عندما وظف مُجمل تشكيلات سينوغرافياهُ عبرَ تمحور دالة " العربة السومرية " وجعلها المُهيمنة على مُجمل أنساق العرض , فهي " عربة السوق " و" عربة الموتى " و " عربة الحاكم " و" عربة الحروب " و " عربة النصر " , هذهِ التحولات رفعت من وتيرة المشهدية البصرية على حساب السمعية , ولعل أبرزها توزع شخصيتي منكر ونكير , وتعددية الصور الرقمية والمزاوجة بين المادي والرقمي , ورُغم أن المؤدي " عزيز خيون " كان مُقارباً لشخصية " حنون العربنجي " في تكامل الأداء إلا أن هُناك مُتبقيات لم يستطع التخلص منها لعدد من أداءاتهِ التمثيلية السابقة وحضورها في أدائهِ هُنا , فيما كان المؤدي " يحيى إبراهيم " موفقاً تماماً في عديد الشخصيات التي أداها وتحديداً ( الضابط / المعلم ) قاطعاً أشواطاً جمالية عديدة لناحية أدائهِ الحَسَنْ مُقارنة بأداء " خيون " , أما " لمياء بدن " التي قدمت شخصية الزوجة فضيلة بنت صليبوخ , فكانت مُتسيدة العرض بامتياز حينما عمدت إلى استنفار جميع آليات منظومتها الأدائية الجسدية والصوتية , لتُشكل علامة العرض الفارقة ولتُعلن أنها ستكون من سيدات المسرح العراقي الآن ومستقبلاً . عربانة حامد وعماد وعزيز وخيون , هي عربانة وجعنا العراقي .
" الظلمة " الإخراجية لدى عادل كريم
تأليف " جالواي " إعداد وإخراج " عادل كريم " إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل تمثيل )نظير جواد , منتظر خضير الساري ) . ما الجدوى من تقديم نص مسرحي لا يُمكن لمُخرجهِ (الذي بدا وكأنهُ يَلج نفق الإخراج المسرحي الذي تلفهُ "الظلمة") أن يجترح لهُ مُقاربة إخراجية أولية تُمكننا نحنُ المُتلقين المغلوب على أمرنا على الأقل من مُحايثة العرض بصرياً ؟؟ من الجدوى من " سرد " النص " بأداء تمثيلي عقيم لـ" نظير ومنتظر " وعبرَ جهاز الـ Mic الذي رُكِّبَ مع زي المؤدين , مما أشعرنا وكأننا نُشاهد مُسلسلا تلفزيونيا " مُدبلجا ! في تأكيد وجود خلل واضح في القراءة الإخراجية التي تتطلب تحضيراً لإيجاد حالة كيمائية من التعابر والتراسل ما بين المؤدي والمُتلقي وهوَ ما غيبهُ المُخرج مما أفقدنا الإمساك بجماليات هذا الأداء . ما الجدوى من إعادة تقديم نص مسرحي عالمي وترميمهِ بعدد من اللافتات النصيّة التي أريدَ من خلالها للحالة العراقية بمُجمل ترميزاتها أن تنفذ والإشهار بأن النص مُعد ؟؟ . لقد حاولَ السينوغراف " جبار جودي " ملء البياضات والفراغات التي تركتها ظُلمة عادل كريم الإخراجية , خالقاً لتشكيلات ضوئية وديكورية عبرَ تأثيث الفضاء الدرامي بكُليتهِ وقد أصبح صانعاً جديداً للعرض الذي كان من أسوأ ما شهدهُ المهرجان من عروض .
التطهر مع " سفر طاس "
تأليف " جواد الأسدي " إعداد وإخراج " حليم هاتف " إنتاج منتدى المسرح , , تمثيل )يحيى داود , أنس راهي) . إن الحديث عن التجارب المسرحية التي يُعاد تقديمها كتجربة ( نساء في الحرب ) نص وإخراج جواد الأسدي أولاً , وإخراج كاظم النصار ثانياً يؤكد عدم إمكانية فصل مُحايثة هذا العرض للهاتف حليم , دون أن نُعرج على تجربة ( حمام بغدادي ) نص وإخراج جواد الأسدي , تلك التجربة المسرحية التي أنتجتها " الدولة السورية " في سعي لتقديم الحالة العراقية في ظل أجواء الاحتلال وتصدير تلك الحالة على أن العراقيين إما تابع للمُحتل أو مُنحرف , وبالتالي فإن تلك التشوهات القصدية للحالة العراقية من قبل مُنتجي العرض الأول وصانعهِ قد أفرزت وحشدت مواقف عديدة ومعروفة بالضد من هذهِ القصدية . هذهِ المُهيمنات المُتجذرة في التلقي العراقي , حاول ساعياً الهاتف الحليم , أن يفلت منها عبرَ إعادة إنتاج نص الأسدي وفقَ مُعادلة أن التطهير هي مُعالجة ذات بُعد استشرافي للواقع العراقي الآن , وبالتالي فإن المُتصدي لمُحايثة عرض " سفرطاس " نقدياً لزاماً عليهِ التخلي عن مُجمل جاهزية التلقي الحاكمة لهُ , لأن السفر طاس , قد ابتعد بكُليتهِ عن مُقاربة حمام الأسدي . أسعفَ الطراز المعماري للمنتدى هذا العرض حينما لجأ المُخرج إلى توظيفهِ وتطويعهِ بالكامل لصالح عرضه من خلال تأثيثهِ بـ( المصاطب / النايلون / سكب الماء / الأواني المعدنية / البُخار المتصاعد ) ،لكن بدا وإن بيئة العرض هي مُغتسل للأموات أكثر مما هي حمام شعبي أكدتها حركة المجموعة الـSlow motion , كما حضرت بقوة حالة التقابل مع المُتلقين لدى المؤدين خصوصاً عند المؤدي "يحيى داوود" فيما اجتهد المؤدي "أنس" في تقديم شكل مُغاير لشخصية الانتهازي الخارج للتو من مُهيمنات السُلطة القامعة بوصفهِ إحدى أدوات القمع لديها , يبقى أن نقول أن العرض بكُليتهِ كان بحاجة إلى ضبط أكثر لنسق إيقاعهِ الحاكم لمشهديتهِ البصرية , كي نتماهى مع بيئة مزيتها الأهم حاضنة لفعل التطهير من أدران الماضي والحاضر.