TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شارون.. دفن جثة متعفنة

شارون.. دفن جثة متعفنة

نشر في: 13 يناير, 2014: 09:01 م

دفنت إسرائيل جثة الجزار اريئل شارون، باعتباره بطلاً يستحق التقدير، بعد أن احتفظت به غائباً عن الوعي ميتاً حياً لثماني سنوات، ووصفه بنيامين نتانياهو بأنه كان محارباً شرساً أخاف العرب، وستظل ذكراه دائماً في قلب الأمة، لكن كل هذا التمجيد لم يمنع مؤسسة "هيومان رايت ووتش" من إصدار بيان أسفت فيه عن لرحيله من دون محاكمته ومواجهة العدالة على مجزرة صبرا وشاتيلا، التي حصدت أرواح مئات الفلسطينيين العزل، وكلفته منصبه كوزير للدفاع، وإذا كانت وفاته تستدعي بروتوكوليا الإشادة به، فإن أحداً لن ينسى توريطه لإسرائيل في الحرب على لبنان عام 1982 ، وتضليله لرئيس حكومته، بالزعم أنها ليست أكثر من توغل لأربعين كلم، ولمدة 48 ساعة، لكنها امتدت حتى بيروت، وطالت 18 عاماً، وكلفت إسرائيل أكثر من ألف قتيل.
 دُفن رجل عصابة الهاجانا، الذي يرتبط أكثر من أي عسكري إسرائيلي آخر، بالكثير من المجازر ضد الفلسطينيين، ابتداءً بقرية قبية الفلسطينية، في خمسينيات القرن الماضي، وليس انتهاءً بصبرا وشاتيلا، خاض كل الحروب الإسرائيلية مع العرب، وتميز خلالها باللجوء إلى أقصى درجات العنف، قبل أن يتحول إلى السياسة، مُشكلاُ حزب الليكود اليميني المتطرف، ومتبنياً لسياسة الاستيطان، برؤية صهيونية استراتيجية، حيث تقف المستوطنات اليوم حاجزاً في أي طريق للتسوية، تعيد للشعب الفلسطيني القليل من حقوقه الوطنية والإنسانية، وكانت زيارته للمسجد الأقصى عام 2000 شرارة أطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي لم ير شارون فيها غير حلقة من "حرب المئة عام" التي تستهدف الصهيونية وإسرائيل، غير أن الصقر الليكودي ختم حياته السياسية عام 2004، بتنفيذ خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية من قطاع غزة، محطماً بذلك أسطورة إسرائيل الكبرى التي تشمل كل أراضي فلسطين.
 يبتهج الفلسطينيون بوفاة من يعتبرونه سفّاحاً وجزاراً، توّج جرائمه باغتيال زعيمهم ياسر عرفات بعد محاصرته في مقر إقامته في رام الله، وكانت أمنيتهم أن يمثل أمام محكمة دولية لمحاسبته على جرائم الحرب التي ارتكبها بحقهم بدم بارد، واعتبرت حركة حماس أن الشعب الفلسطيني يعيش لحظات تاريخية، برحيل هذا المجرم القاتل الملطخة يداه بالدماء، معتبرة أن وفاته بعد ثمانية أعوام من الغيبوبة تعتبر آية من آيات الله وعبرة لكل الطواغيت، لكن الرئيس الأميركي، وفي بيان يصح أن يكون عنواناً للرياء، وجدها مناسبة ليجدد الالتزام الراسخ بالحفاظ على أمن إسرائيل، والتمسك بالصداقة الدائمة بين البلدين والشعبين.
يأتي الإنصاف المتأخر وغير المجدي من منظمة هيومن رايتس ووتش التي أعلنت أسفها لذهاب شارون إلى قبره دون أن يواجه العدالة، معتبرة أن رحيله يأتي للتذكير المؤسف مجدداً، بأن الإفلات من العقاب على انتهاك الحقوق طوال سنوات، لم يفعل شيئاً لتقريبنا من إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين رفع الناجون منهم من مذبحة صبرا وشاتيلا دعوى ضده في بلجيكا، مطالبين بملاحقته بموجب قانون الاختصاص الشامل البلجيكي، غير أن الضغوط السياسية دفعت لإلغاء القانون، ما أدى لإسقاط القضية، وشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم، كبناء جدار الفصل العنصري داخل الضفة المحتلة، مخالفاً القانون الإنساني الدولي، بحيث بات حقاً لجيش الاحتلال إخضاع آلاف الفلسطينيين، المقيمين في المناطق الواقعة قريباً من الجدار، لقيود شديدة وتمييزية على حريتهم في التحرك، بما لها من عواقب اقتصادية واجتماعية مدمرة.
رحل شارون غير مأسوف عليه، وقد نال عقاباً دنيوياً يستحقه بحبس جسده ثماني سنوات، لا يعلم أحد كم لقي فيها من الألم والعذاب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram