الأوضاع السياسية في العراق بحاجة الى تلطيف الأجواء ، وتقارب وجهات النظر ثم توحيد المواقف وحسم الخلافات واجتثاثها، لغلق الملفات الشائكة وخاصة المتعلقة بتحقيق مبدأ الشراكة في إدارة البلاد ، وفرص الاتفاق حاضرة عندما تكون المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، وبوجود نزعات التسلط والاستعلاء والاستحواذ ، سيبدد العراقيون أعمارهم بانتظار الفرج في بناء دولة مدنية يسودها القانون ، ويحكمها دستور خال من الألغام وبراميل البارود .
التمسك بالدستور موقف تبنته جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية ، وبعضها حصل على تمثيل في الحكومة الحالية ، ولكن التصريحات في مواسم الأزمات وهي طويلة في العراق ، تأخذ في اغلب الأحيان طابع الاتهامات المتبادلة بين الشركاء ، فتعطل العمل بالدستور خشية انفجار براميل البارود ، او نتيجة التفسير الخاطئ المقصود لبعض مواده ، ولربما لتحقيق مكاسب لفئة على حساب أخرى ، وعلى مدى اكثر من عشر سنوات ، تفاقمت الأزمات ، وتدهورت الأوضاع ، لان دعاة التمسك بالدستور أصابهم الفتور ، ولجنة تعديلاته في مجلس النواب ، لم تنجز عملها بعد بمرور دورتين تشريعيتين .
السياسي العراقي سواء من شغل منصبا حكوميا او تفرغ لقيادة تنظيمه ، ورث من أسلافه حب المديح والشعور بالارتياح والفخر عند سماعه هتاف وتصفيق الجماهير ، وتلقيه يوميا برقيات تجديد البيعة والولاء ، وبعض القادة وتعبيرا عن ارتباطه الصميمي بقواعده الشعبية ، استعان ببعض الشعراء والرواديد لنظم قصائد المديح والأهازيج ، وسخر فضائيته للمداحين ، والممدوح من موقعه ، وفي لحظة الشعور بلذة الاستمتاع يستعيد قول الخلفاء والأمراء " أعطوه الف درهم" ، وينفذ الأمر على الفور بخبر عاجل اسفل الشاشة .
تعطيل تعديل المواد الدستورية وباعتراف الساسة وكبار المسؤولين احد أسباب اضطراب المشهد السياسي العراقي ، وعند مراجعة تصريحاتهم يتوصل المتابع الى حقيقة وجود نفق مظلم ، ولاسيما ان هناك من وصف العملية السياسية بانها عرجاء ، لذلك اضطر بعضهم الى طرح مبادرات ووثائق شرف تلزم الجميع بتنفيذ بنودها ، للحفاظ على السلم الاجتماعي الأمر الذي يعني ان الشركاء بأمس الحاجة لاتخاذ مواقف لإثبات الجدية في تجاوز الأزمات ، وعبور النفق على إيقاع قصائد المديح ، لأنها السبيل الوحيد لحث الساسة على نبذ خلافاتهم ، ثم التوجه لخدمة مصالح شعبهم انطلاقا من إيمانهم بمبادئ أحزابهم ومعظمها دينية تعرف الحلال والحرام وتسعى لتحقيق العدالة والمساواة .
"من كصيد السياسة" مقترح برنامج يمكن ان تتبناه فضائيات تابعة لأحزاب وقوى عراقية ، يبث يوميا بعد عرض الأنباء للإشادة بمواقف السياسيين بإلقاء قصائد المديح مع عزف على الربابة ، عسى ان يحقق البرنامج ما عجزت عنه وثائق الشرف ، في تحفيز الهمم والمشاعر ، وتأجيج الحماسة ، ليلتفت أصحاب "الحل والربط " لمصير العملية السياسية "العرجاء " بتحقيق اتفاق على منحها العكاز المناسب لمساعدتها على السير في طريق الديمقراطية ، بقيادة طويل العمر .
من "كصيد" السياسة
[post-views]
نشر في: 14 يناير, 2014: 09:01 م