تميزت العلاقات الأردنية الإيرانية بالفتور، منذ سقوط الشاه الذي كان على علاقة وثيقة بالملك الراحل الحسين، لكن الشكوك المتبادلة بين عمان وطهران، لم تمنع من دوام الاتصال عبر العديد من القنوات، خصوصاً إبّان حكم الإصلاحيين، فقد زار الملك عبد الله الثاني طهران عام 2003 ، وبعد عام زارتها الملكة رانيا، ثم انقطعت الزيارات على هذا المستوى منذ العام 2005 وحتى يومنا هذا، وقد شاب العلاقة الكثير من الغضب الإيراني، بعد تحذير العاهل الأردني من تشكل هلال شيعي تقوده طهران، ولذلك تكتسب الزيارة المنتظرة لوزير الخارجية محمد ظريف إلى عمّان أهمية مضاعفة، حيث يدور الحديث عن وساطة أردنية محتملة بين طهران والرياض.
صحيح أن إيران برغم امتعاضها من المواقف السياسية للأردن، لم تقطع بالكامل مع عمان، وكانت الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني السابق علي صالحي قبل فترة، وعرض خلالها تزويد الأردن بالنفط مجاناً، حال السماح للإيرانيين بزيارة ضريح الصحابي جعفر ابن ابي طالب، واحدة من تجليات الموقف الإيراني، قوبلت بالبرود في عاصمة الهاشميين، التي فضلت علاقاتها الخليجية المستمرة والمستقرة منذ عقود، كما أن علاقة واشنطن بإيران كانت آنذاك في ذروة التوتر، إضافة إلى أن الرفض الأردني كان رد فعل على ترهيب ظريف للأردن بالصواريخ السورية، القادرة على الوصول إلى المدن الأردنية كافة.
تأتي زيارة ظريف إلى دولة تلعب دوراً محورياً في فريق الخصومة السياسية التقليدية لبلاده، لتشكل حدثاً بارزاً يستدعي التوقف أمامه، خصوصاً مع تغير مسار الأحداث، حيث خفتت قرعات طبول الحرب ضد ايران حتى في الدولة العبرية، وانتهت إلى الأبد التهديدات الغربية العسكرية للنظام السوري، وتأبّط الجميع حقائب الدبلوماسية المحشوة بالملفات، بحثاً عن مصالحهم في زمن التسويات والصفقات الكبرى، وإذا كانت طهران عقدت صفقة العمر مع الشيطان الأكبر، فما الذي يمنعها من استكمال الصفقات مع دول الإقليم المعادية، والسعودية هي العنوان الأبرز في هذا المجال، وربما يكون الدخول إليه من البوابة الأردنية هو الأسهل والأقرب إلى النجاح.
ربما يكون الملف السوري حاضراً في محادثات ظريف، إذ يتوقع بعض المراقبين أن يطالب الأردن، بأن يلعب دورًا أمنيًا في ضبط الحدود البرية بين البلدين بفاعلية أكبر، وبحيث يمنع تهريب الأسلحة والمقاتلين إلى ساحات المعركة المنتظرة بين النظام السوري ومعارضيه، في جنوب البلاد وعلى أطراف دمشق، ويؤشر هؤلاء إلى أن تحسن العلاقات الاقتصادية بين حكومة المالكي في بغداد والحكومة الأردنية ليس بعيداً عن ضوء أخضر من طهران لحليفها العراقي، وإذا كانت المخاوف الأمنية تبرز الى الواجهة كلما دار الحديث عن توثيق العلاقة مع إيران، فان هناك دعوات لم تعد خافتة، تطالب صاحب القرار بتنويع خياراته السياسية، والاحتفاظ بعلاقته المتميزة والممتازة مع حلفائه التقليديين، وأن يفتح كل الملفات السياسية مع الضيف الإيراني، للدخول في لعبة الأمم التي لا ترحم المترددين.
زيارة ظريف للأردن تستوجب من عمان استثمارها، لبناء واقع جديد، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المتسارعة في المنطقة، مثلما يأخذ بالاعتبار خذلان الدول الخليجية له في أزمته الاقتصادية المتفاقمة، ونكوصها عن مد يد العون له، ومحاولتها توريطه في مواقف سياسية قد تكون ضد المصلحة الوطنية العليا، لا يعني ذلك بالطبع أن يضع الأردن كل بيضه في السلة الإيرانية، بقدر ما يعني استكشاف مواطئ أقدامه، في ساحة حبلى بالمفاجئات.
زيارة ظريف للأردن فرصة للتنويع
[post-views]
نشر في: 14 يناير, 2014: 09:01 م