ولعُ الأخوين الفرنسيين ديلا تولاي بالبحث عن مصادر المياه، قادهما إلى رحلة استكشافية في القارة الأفريقية، للوصول إلى أجوبة حول مستقبل المياه في القارة وما اذا كان سيكفي المتوافر منها لسد حاجة شعوبها حتى 2050.قبل كل شيء، قرر الأخوان جوفرو ولويك، أن تكو
ولعُ الأخوين الفرنسيين ديلا تولاي بالبحث عن مصادر المياه، قادهما إلى رحلة استكشافية في القارة الأفريقية، للوصول إلى أجوبة حول مستقبل المياه في القارة وما اذا كان سيكفي المتوافر منها لسد حاجة شعوبها حتى 2050.
قبل كل شيء، قرر الأخوان جوفرو ولويك، أن تكون رحلتهما عبر «الصدع الأفريقي الكبير» على دراجتين ناريتين، كون الدراجة توفر لهما إمكان التحرك بحرية وسهولة أكبر من بقية وسائط النقل وتتيح فرص الوصول إلى الناس القاطنين في مناطق يصعب الوصول غليها بالسيارة أو حتى الطائرة، ما يعطي لبحثهما طابعاً معرفياً، أنثروبولوجيا ويكسب برنامجهما التلفزيوني «رحلة إلى أفريقيا على دراجة نارية» روحاً مرحة، تشجع المشاهدين على متابعته بخاصة أنه يسجل تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق التي يمران فيها.
ويتخذ الأخوان من تنزانيا والمناطق المحاذية للصدع الأفريقي الشرقي ومنابع النيل منطلقاً، عبوراً بكينيا وأثيوبيا والسودان وصولاً إلى مصر فصحراء سيناء، قاطعين أكثر من 13 ألف كيلومتر، طارحين على من يلتقونهما من سكانها سؤالاً محدداً: «هل لديكم ما يكفي من المياه، وهل تعانون من شح فيها؟».
سؤال سيقود بدوره إلى معرفة مشاكل مشتركة تعانيها القارة، وأخرى ذات خصوصية. من بين أولى المشاكل التي تواجه تنزانيا قلة المياه الجوفية التي يلجأ الناس إليها بسبب طول مدد الجفاف التي تجتاحها بانتظام خلال العقود الأخيرة، ما يدفعهم إلى ترك مهنتي الزراعة والصيد والتفكير بالهجرة إلى المدن. وهذه الأخيرة مشكلة عامة في شرق أفريقيا، فيما تمثل الصراعات بين مربي الماشية الرحل والمزارعين على ضفاف نهر كينيا مشكلة محلية جدية. فالمزارعون يشتكون من الأضرار التي تلحقها مواشي الرحل بمزارعهم، وبأن وجودها يشجع الحيوانات الضخمة والخطيرة على الاقتراب من قراهم، أما في ما يتعلق بالهجرة إلى كبريات المدن، فهي تشبه في مواصفاتها بقية القارة. وخلال زيارة الأخوين مناطق الصفيح في نيروبي يتضح لمشاهدي البرنامج، الذي جاء على أربع حلقات، حجم المشكلة التي أساسها نابع من نقص المياه أو التنازع حولها. لقد جرّبت المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة حلاً جديداً جديراً بالاهتمام يتمثل في توفيرها أكياساً كبيرة تملأ بالتراب وببذور يوزعونها على سكان بيوت الصفيح ليزرعوا داخلها ما يحتاجونه من خضراوات. التجربة ناجحة والمنظمات الإنسانية تفكر في توسيع نطاقها على المناطق الأخرى، بما فيها أثيوبيا الغنية بالمياه، لكنّ الناس يعانون فيها على رغم ذلك من سوء توزيعها إلى جانب ذهاب معظمها إلى زراعة القبن، التي وبسبب المنافسة العالمية، لا توفر زاداً كافياً لمزارعيها، ولهذا فهي تزيد من مشكلة نقص المياه من جانب ولا تحل مشاكلهم الاقتصادية بشكل تام من جانب آخر.
السير الطويل بمحاذاة نهر النيل أوصل الأخوين إلى السودان حيث التقيا مزارعين يقومون بالزراعة على أرض رملية، ما استدعى التوقف عندهم لمعرفة أسباب هذا التوجه وهم يعيشون بمقربة واحد من أعظم الأنها. الأسباب هذه المرة سياسية وعرقية أكثر منها طبيعية، كما جاء في أحاديث الفلاحين الذين أحالوا جزءاً من نقص المياه والمحاصيل والثروات النفطية إلى المشكلة الجنوبية، والى أن الدولة غلبت اهتمامها بالعسكرة والحروب على فتح الترع والقنوات وبناء السدود. ومع كل ذلك فإن أرض صحراء النيل تختلف عن بقية الصحاري في العالم، فزخة واحدة من المطر كما قالوا تكفي لبعث الحياة في المزارع.
وغير بعيد من تلك المناطق وصل الأخوان ديلا تولاي إلى أسوان في مصر بعد سقوط حكم مبارك، ليدرساا حالة النيل وحجم المياه فيه، وهل سيكفي المصريين حتى عام 2050؟ قبل الجواب على السؤال، يعطي البرنامج مشاهديه فكرة عن واحد من أكبر الإنجازات المصرية في حقل الري تاريخياً. فالفراعنة أسسوا نظاماً متطوراً للري صالحاً حتى يومنا هذا وسيطروا على فيضانه بطريقة مدهشة بحسب خبراء المعهد السويسري للبحوث الأركولوجية في القاهرة.
ومن أكثر مشاكل مصر في ما يتعلق بالمياه والأراضي المزروعة وفق ما قاله مزارعون التقاهم البرنامج في مناطق متاخمة للنيل، تقلص حجم الأراضي المزروعة على حساب بناء وتوسيع المدن الجديدة القريبة منها، التي تعود دوافعها إلى التضخم السكاني الذي تعانيه مصر.
أكثر ما لفت انتباه البرنامج المبادرات الشخصية والقليلة لزراعة المناطق الصحراوية التي برهنت جدواها على نطاق محدود، لكنها تصلح للتعميم لو تدخلت الدولة لمصلحة توسيع استخدامها في شكل علمي، ما يساعد على تقليل تأثيرات التمركز الشديد السلبية، حول ضفاف النيل، والبحث عن سبل ممكنة لحل مشكلة المياه، كما يفعل الإسرائيليون الذين زارهم البرنامج في المناطق الصحراوية، من دون تفسير منه لسبب وصوله إلى هذه المنطقة مع أن صاحبيه قررا منذ البداية أن تكون رحلتهما أفريقية.