حسمت جماهير مصر أمرها، اختارت الحياة بديلاً للموت أحياءً مع الإخوان، إذ لم يكن ما جرى خلال اليومين الماضيين، مجرد استفتاء على دستور جديد، كان في واقع الأمر استفتاءً على مرحلة جديدة من التاريخ، تؤكد انتهاء عصر الإخوان، رغم كل ما يقومون به من "حركات"، تؤكد أنهم كالطير يرقص مذبوحاً من الألم، كما تؤكد انبثاق عهد جديد بعيد عن التشكيك بشرعيته، لكونه يمثل بصدق إرادة المصريين، الذين اكتشفوا بسرعة أن الإخوان، الذين ركبوا بانتهازية مفضوحة، وفي اللحظة الأخيرة، موجة الحراك الثوري الذي أطاح حكم مبارك، بكل ما فيه من فساد، لايصلحون لإدارة البلاد فأخرجوهم من قصر الحكم، بنفس السرعة التي دخلوه فيها.
اليوم، وبعد الاستفتاء، تسقط بجدارة كذبة الانقلاب العسكري، يقف حكام أم الدنيا على أرضية شديدة الصلابة، مدعومين بشرعية الصناديق، التي ظلت لازمةً يرددها الاخوان مع كل صلاة، والمصريون اليوم على مواعيد فرح جديدة، يقطفون ثمارها خلال ستة أشهر، حين ينتخبون مجلساً تشريعياً ورئيساً جديداً، ربما يكون الفريق السيسي الذي أعلن قُبيل الاستفتاء أنه سيترشح للرئاسة، إذا كانت تلك إرادة الشعب، التي تتوضح مُسبقاً بنزول أعداد من الناخبين، حاملين صوره محتفلين بالاستفتاء، ربما يكون ذلك عند البعض، مجرد تكريم للقائد الذي أتاح لهم فرصة التخلص من الإخوان وفكرهم الإقصائي، وربما يكون إشارة لرغبتهم في أن يكمل المشوار، فيخرج بمصر من أزمتها إلى أفق أرحب، مفعم بالآمال.
حاول الإخوان باستماتة تعكير أجواء الاستفتاء، والتلاعب بإرادة الجماهير من خلال افتعال الأزمات، التي أدت إلى مقتل البعض، ومن خلال التجمهر عند بوابات صناديق الاقتراع، لحجب إرادة الميؤيدين للدستور، بتعويقهم ومنعهم من أداء واجبهم الوطني، لكن أبناء مصر الوطنيين، ظلوا على تصميمهم بإنهاء عصر الإخوان مرة واحد وإلى الأبد، لقناعتهم أن التصويت ليس فقط لمصلحة الدستور الجديد، وإنما لمصلحة خارطة المستقبل كلها، حيث يتوجب أن يكون لمصر رئيسها ومجلسها التشريعي المنتخبين، ولتأكيد وقوفهم ضد الإرهاب الإخواني، الذي يسعى لتلطيخ وجه مصر، وأن الشعب لايخشاه، وعلى استعداد لمجابهته في كل الأوقات، وتحت أي ظروف، مستنداً دائماً إلى مؤازرة جيشه الوطني.
يحكم المصريون بالإعدام بتصويتهم بنعم للدستور الجديد، على محاولة الإخوان سرقة ثورتهم، وقد توضحت نواياهم، كما كشفها حلفاؤهم في واشنطن مؤخراً، من خلال سعيهم لتحويل مصر إلى دولة محكومة بحزب واحد أحد، يستمد قوته من السماء، ويمارس الاستبداد كما لم تمارسه الدكتاتوريات المعروفة التي أسقطتها شعوبها، وتخلصت من آثامها، وهم يدركون اليوم أن هذه الخطوات قد تواجه إخفاقا هنا أو هناك، لكنهم يدركون أيضاً أن مصر تضع اليوم قدمها على الطريق الصحيح، المتمثل بالرضوخ للإرادة الشعبية، في سياددة نظام ديمقراطي تعددي غير إقصائي، يؤمن بتداول السلطة، والمساواة الكاملة بين المواطنين، دون أي تمييز يستند على الدين أو المذهب، ويعيد لمصر ثقلها الإقليمي الذي كاد ينمحي مع حكم المرشد.
تطرح نتائج الاستفتاء سؤالاً مبكراً عن إمكانية ترشح الفريق السيسي لرئاسة الجمهورية، وهو حق له كمواطن مصري، لكن البعض يُحذر من عودة حكم العسكر، باعتبار أن مبارك جاء الى الرئاسة من صفوف الجيش، لكن الصحيح أن الرئيس المعزول حول الأمر إلى حكم عائلي، ولم يكن للجيش أي نفوذ، بل إن نفوذه الحالي مستمد من إرادة شعبية، رأت فيه خلاصاً من حكم الإخوان، كما أن المرحلة الراهنة تستدعي وجود رئيس قوي وموثوق، قادر على العبور إلى مرحلة تترسخ فيها العملية الديمقراطية، وبحيث تأمن مصر من أي تفكير بالانقلاب، سواء جاء من الجيش، أو خطط له حزب مستبد وغير عادل.
مصر والاستفتاء على الطريق القويم
[post-views]
نشر في: 15 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
سلام محمود احمد
مع انني ضد التيار الاسلامي الا انني لا اجد الصورة الوردية التي تتكلم عنها