في فعاليّةٍ جديدةٍ لبيت الشعر العراقيّ، افتتح بها منهاجه الثقافيّ للعام 2014، نظّم مؤخّراً نشاطه "القصيدة في تقويمها البغدادي"، احتفاءً بتجربةِ الشاعر عبدالعظيم فنجان، وذلك في أصبوحةٍ أقيمت جوار تمثال المتنبي بشارع المتنبي ببغداد وقبالة نهر دجلة، ومن
في فعاليّةٍ جديدةٍ لبيت الشعر العراقيّ، افتتح بها منهاجه الثقافيّ للعام 2014، نظّم مؤخّراً نشاطه "القصيدة في تقويمها البغدادي"، احتفاءً بتجربةِ الشاعر عبدالعظيم فنجان، وذلك في أصبوحةٍ أقيمت جوار تمثال المتنبي بشارع المتنبي ببغداد وقبالة نهر دجلة، ومن ثمّ أمسية ضمّت حوارية مع المحتفى به في مقهى بغداديّ بشارع السعدون.
وقدّمت الأصبوحة الشاعرة والمترجمة آمال إبراهيم التي شرحت للجمهور جوانب من سيرة فنجان الأدبيّة وأهمّ إصداراته عن دار الجمل، التي هي:"أفكرُ مثل شجرة" بيروت/ بغداد 2009، "الحبّ حسب التقويم البغدادي" 2012، "الحبّ حسب التقويم السومري" 2013، لتدعوه بعدها إلى قراءة نماذج من قصائده الجديدة، إذ قرأ أولاً " أُغنيةُ فُقْدانِك"، وجاء منها:
"خرّبتـُكِ قـَدرَ عِنايَتي، وأعطَيْتـُكِ دورَ الكَتِفَيْن، لكنّ رأسي كانَ مَخبولاً فلَمْ يَستقرّْ بينَهُما. /الآنَ أكتُبُ أغنيةَ فُقْدَانِكِ، مُوَزّعًا صَرْخَتي بينَ سُطُورها، من مَقطَع ٍ إلى آخرَ، مثلَ ماءٍ لا يُؤكّدُ وجودَهُ إلاّ بالانتقالِ من يدٍ إلى يدٍ، حَتّى يُصبِحَ قَطْرَة/ ..سَأذْهَبُ خاليًا، كما يَذهَبُ الزّمنُ./ سَأبْتَعدُ كما يَبتعدُ البُعدُ عن نفسِهِ،/ وسَأنسحبُ كما يَنسحبُ الفراغُ، عندما يَصطَدِمُ بأصواتِ العابرينَ صَوْبَ بَشاشَةِ عُزْلَتِهِ، لكنّني سَأذْكرُ اسمَكِ، هُناكَ، حِينَ تَدُقُّ السّاعاتُ في الأبدِ".
بعدها أشارت الشاعرة آمال إبراهيم إلى شيء من رؤية فنجان للكتابة الشعريّة، بالقول:" انه يرى أن القصيدة الحديثة هي مجموعة مواقف، وليست غرضاً واحداً، كالمديح والرثاء أو الغزل: هكذا حاولت تجسيم هذا الفهم في شعري الذي ينطوي على مواقف عديدة ومتداخلة بينها"، ومن ثمّ قرأت جزءاً من ورقة الناقد عبدالكريم كاظم عن كتاب المحتفى به الجديد "كيف تفوز بوردة"، إذ بعثها من برلين، وورد فيها:" يكتشف ابن فنجان نشوة عظمى إذا باح بما يقض مضجعه، عندئذ ومن خلال الكتابة أو البوح يصبح العذاب عذباً إذا تُرجم إلى لغة شعرية فيتخذ لذلك شكلاً فنياً ومظهراً صحياً؛ لأنه يُفرغ المكبوت ويعيد الذات الشاعرة إلى توازنها لا لكي تحظى بوردة وحسب بل بقصيدة مغايرة تنحاز إلى الحياة والجمال..".
و تغلب الجمهور على برودة الجو بالإصغاء إلى القصائد الدافئة لصاحب كتاب "أفكّر مثل شجرة"، ومنها قصيدته " أغنيةٌ لتحطيم أنفِ العالَم"، التي يقول في مقطع منها:
تدربُ، مُذْ عَرفْتُكِ، على أنْ أكونَ خاسرًا./أضفْتُكِ، مُذ أوّلِ لَهْفَةٍ، إلى مَفقوداتي، قبلَ أنْ يَحصُلَ ذلكَ، وأفقِدُكِ فِعْلاً./لمْ اُحبّكِ / إلاّ لأنّ الحُبَّ تَنْشُرُهُ الصّبايا،/على حِبالِ الغَسيل،/لِتَتبخّرَ، من أرواحِهنّ، الطّعناتُ تَحْتَ الشّمس./ لم أُغْرَمْ بكِ/ إلاّ لأنّكِ مَخمورَة ٌ بالألمِ وبالتّوبيخِ، حَدّ الثَمالَة./وها إنّي أشْرَبُ خَمْرَ غيابِكِ،/ واضعـــًا وَجْهَكِ على طاولَةِ مُخَيّلَتي لأسْكرَ:أسكرُ/من أجلِ أنْ اُجَرْجِرَ العالمَ من شَعْرهِ..".
بعدها قدّم الشاعر زعيم نصّار ورقته، وذكر فيها:" يسعى فنجان إلى إنتاج الكتب الشعريّة ذات المناخ الشعريّ الواحد والبناء المحكم، ولا ينشغل بالظواهر المنفعلة المسطّحة، يبني كتبه واحداً تلو الآخر، لإيمانه بأنّ الذي يعمّر من هذا الكم الشعريّ الهائل لا يتجاوز عدد الأصابع التي كتبته، كتبٌ قليلة ستبقى، ستعمر طويلاً، مثل «أفكّر مثل شجرة، والحبّ حسب التقويمين البغدادي والسومري» من عمارة عبد العظيم فنجان ولحظتنا الرابعة، أقول عمارةً، إشارة إلى هذا البناء المعماري الفذ لبعض قصائده وما لقائي معهن إلا لقاء افتتان وخصوبة".
آخر المداخلات كانت للشاعر حسن جوان، التي قال فيها:" تطمح نصوص فنجان إلى أن تكون كتباً شعرية أكثر من جنوحها نحو تكوين مجاميع أو دواوين في الشعر. بل يبدو جلياً أنها تتحلى بجرأة وطمع من يبشر بأناشيد مفعمة بالرؤى والحلم..".
ومن ثمّ قرأ فنجان في نهاية الأصبوحة قصيدته "لماذا تَعشقينَ شاعرًا بسيطـــًا مثلي ؟!"، وفيها نطالع:" آهٍ ، /لماذا تَعشقينَ شاعرًا بسيطــــًا مثلي، /أنا الذي لا أملِكُ أنْ آتِيَكِ حتّى على درّاجةٍ هوائيّةٍ ؟!/لا سُفُنَ عندي، ولا بَحْرَ ./لا أملِكُ شِبْرًا من الأرض، لأنّ وطني في كَوْكَبٍ بعيد ./وطني مَسروقٌ من الخَرائِطِ:/وطني ليسَ وطني، /برَغْم أنّني سومريٌ أشقَرُ القَلْبِ:/أنا بسيطٌ /كمَصْطَبَةٍ تأنَسُ بالقَليل من خُطواتِ العابرينَ : حزينٌ /دائمــــًا، حزينٌ .. /مثلَ أغنيةٍ تُحَشْرجُ في حَنْجَرَةِ ناي./مثلَ بلادٍ مَقتولةٍ./مثلَ قَصَبٍ أكلَهُ غُبارُ زَقّوراتٍ مَنْسيّةٍ./مثلَ فانوسٍ مُلقى في قاع نَهرٍ هَجَرَهُ الصيّادونَ والماءُ..".
وفي الأمسية التي خصصت بعد ساعات للحوار مع الشاعر عن كتبه الثلاثة وموضوعة الحبّ التي يكرّس فنجان شعره لها، تحدّث بالقول: "إنّ هذا النسق من الكتابة الشعريّة ليس هرباً من الواقع، بل هو مواجهة للكراهية التي يشيعها العنف اليوم، فمعنى أن تحبّ إنّك تواجه الراهن بسلاح غير اعتيادي أو منظور"، متحدّثاً عن ثيمة كتابه الجديد "كيف تفوز بوردة؟"، وعن انّه استعان بآراء أصدقاء من أجيال شعريّة جديدة في تقويم الكتاب، واصفاً ذلك بأنه "جزء من التغريد الخاصّ خارج سرب المألوف".