الحكاية تتكرر ، ونهايتها ترتبط بقرار الرعية ، والكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس في مسرحيته "فيل ياملك الزمان" جعل النهاية مفتوحة ، في إشارة واضحة الى طبيعة الأنظمة العربية ، وممارساتها ضد شعوبها ، الحكاية باختصار تتناول قصة مدينة عبث بها فيل الملك ، فالحق باهلها الأضرار والدمار ، وحين توجهوا الى البلاط لطرح معاناتهم أمام الملك ، تلعثمت الألسن، واصفرت الوجوه خشية انزال العقاب ، وفي اللحظة المناسبة تدارك احدهم الموقف وطلب الحديث في حضرة صاحب الجلالة ، فطلب نيابة عن الجميع ان يتخذ الملك قرارا سريعا لجلب أنثى للفيل وإعلان زواجه منها للتخلص من وحدته ، ثم انجاب المزيد من الفيلة ، لتجول في طرقات وأزقة وأسواق المدينة ، فسعادة الشعب ترتبط بتوفير افضل الأجواء لفيل الملك الذي وافق على الطلب ، وتنتهي الحكاية ، ودلالاتها واضحة ليست بحاجة الى تفسير، ورسالة الكاتب وصلت ومضمونها يقول بلسان فصيح ان الرضوخ والإذعان وقبول ممارسات السلطات الجائرة يجعل الملوك متربعين على عروشهم لا يخشون الغضب الشعبي لقناعتهم بان الرعية مستسلمة ، ولديها الاستعداد لتناول الجور والظلم مع غذائها اليومي.
المسرحية اعدها وأخرجها الراحل قاسم محمد بعنوان" ولاية وبعير"و قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي ، ومرت على الرقيب ، لان الأجواء السياسية في ذلك الوقت كانت مناسبة جدا لتقديم عرض من هذا النوع ، يدين الإذعان، ويحث على الاحتجاج ، والوقوف ضد أية سلطة جائرة.
فيل الملك تناسل في العراق ، منذ زمن طويل ، وتجسد حضوره في الوقت الحاضر بالأداء الحكومي ، واستشراء الفساد في معظم مفاصل المؤسسات الحكومية ، وتحويل الدوائر الى مقار للأحزاب ومكاتب لتلميع صور بعض القادة السياسيين بمزاعم حرصهم على رفع المظلومية عن الشعب العراقي ، انتشار السيطرات الأمنية في جميع أحياء العاصمة ، وعسكرة المدن ، وحملات الاعتقال العشوائية ، وغيرها من المظاهر السائدة ، تؤكد وجود مئات الفيلة ، تعود ملكيتها لمسؤولين وزعماء أحزاب ، استخدموا فيلتهم في مضايقة العديد من سكنة أحياء الكرادة وزيونة والحارثية وشارع فلسطين فاجبروهم على ترك منازلهم وبيعها الى قياديين ومسؤولين ، وفي مدن اخرى وبفضل "الفيل المتنفذ" حصل البعض على عقارات تعود للدولة بثمن بخس ، وامتدت نزعة الاستحواذ الى مبان تقع في شارع حيفا فسجل احد عقاراتها باسم أمين عام حزب لاوجود له في الساحة السياسية ، ولكنه حصل على مقر لا يمتلكه حزب الجمهوريين في الولايات المتحدة الاميركية.
عندما يتوجه العراقي لانجاز معاملة استبدال رقم سيارته من نوع المانفيست ، او للحصول على بيان ولادة ، او كتاب صحة صدور يصطدم بعقبات ومطبات كثيرة ، في وقت يعلن فيه المسؤولون قرب انجاز ما يعرف بالحكومة الالكترونية ، ولكن متى واين وكيف ، الجواب فيل يا ملك الزمان .
فيل ياملك الزمان
[post-views]
نشر في: 19 يناير, 2014: 09:01 م