بعد ما يقرب من 100 عام على ولادة اتفاقية سايكس بيكو، وتكريسها لتقسيمات قصمت ظهر بلاد الشام أولاً، وأنبتت دولاً على أشلائها، تحوّل سكانها إلى عصبيات وطنية، تبناها قادة تلك الدول تحقيقاً لمصالحهم، أو مصالح من يدعمهم، تأتي التطورات الحالية في المنطقة، لتضعها في دوامة من التغييرات، التي قد تقود إلى إعادة رسم الخرائط الجغرافية، اعتماداً على التطورات الداخلية نتيجة للحروب المستعرة في أكثر من منطقة، وبعيداً عن إرادة القوى الغربية، التي كرست سايكس بيكو بعد الحرب الكونية الأولى، وربما يؤكد ذلك انتهاء صلاحية تلك الاتفاقية التي كرست قرابة القرن الشكل الجغرافي للمنطقة.
تشكل سوريا بعد اندلاع الثورة فيها النقطة الأسطع إضاءة على ما ذهبنا إليه، فمواطنوها ينتقلون منها الى الدول المجاورة دون المرور بنقاط الحدود الرسمية، يتدفقون الى الاردن ولبنان والعراق وتركيا بدون جوازات سفر أو تأشيرات مسبقة، وفي المناطق الحدودية استعادت العشائر علاقتها مع أبنائها الذين فرقتهم الحدود المصطنعة والتي كانت تقف حواجز للتفرقة تحميها بنادق الجنود على الجانبين وهم يستظلون بأعلامهم الجديدة وبصور قائدهم المفدى، صحيح أن صفة اللاجئين تلتصق بهؤلاء على عكس العراقيين الذين غادروا بلدهم بعد سقوط صدام، لكن الصحيح أيضا أن الكثيرين منهم أسقطوا هذه الصفة وبدأوا مشاريع اقتصادية تأكيداً لاستقرارهم في "أوطانهم" الجديدة.
ثمة سمة بارزة للهجرات العابرة لحدود سايكس بيكو، وهو أن معظمها يستند إلى فكر طائفي، المسيحيون يغادرون إلى الغرب المسيحي خوفا من سيطرة التكفيريين في سوريا والمتشددين الشيعة في العراق، حيث نشطت هجرات داخلية تؤكد الفرز الطائفي والاثني أيضاً نتيجة لتشبع رئيس الوزراء بالروح الطائفية وسحبه ذلك على مفاصل الدولة كافة، وفي سوريا نتيجة للمعارك التي أجج فيها التكفيريون القادمون من خارج الدولة المشاعر الطائفية ضد الأقليات سواء كانت علوية أو درزية أو مسيحية والعداء الاثني ضد الكرد، الذين اكتشفوا ملاذا آمنا عند أشقائهم في إقليم كردستان العراق، ولعل بعض العلويين من شمال سوريا اكتشفوا حضنا دافئا عند علويي تركيا.
يبدو أن الكرد سيكونون المستفيد الأكبر من حالة السيولة التي تكتنف الحدود التي باتت مفتوحة في كل الاتجاهات، وبات إقليم كردستان العراق وطنا ولو مؤقتا للكرد السوريين، صحيح أن الحديث عن تغيير الحدود سابق لاوانه كما هو بالنسبة للوطن القومي المأمول لكن الصحيح ايضا أن الكثير من المحرمات السابقة قد انتهكت ويبدو صعبا العودة للعيش في ظلها خصوصا مع تراخي القبضة الامنية التي كانت تحافظ على قدسيتها، والمدهش أن بعض الكرد يفكرون فقط بمصالحهم الحزبية الضيقة ولا يعملون على استغلال الظرف الذي لن يتكرر في المدى المنظور.
يلتقي سنة العراق مع نظرائهم السوريين والأردنيين أكثر من ما هو مفروض مع مواطنيهم الشيعة والكرد، ويتعاطف علويو تركيا مع علويي سوريا، ويتجه بعض شيعة العراق صوب إيران، وفي لبنان يتعايش السوريون بصعوبة مع أشقائهم اللبنانيين بسبب الفرز الطائفي، ما يطرح أسئلة كثيرة حول إمكانية التوجه إلى استيلاد دويلات جديدة على أسس طائفية لاشك أن العلاقات بينها ستتسم بالعداء، أو التوجه إلى أنماط علاقات مستحدثة بين الدول القائمة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي فرضت نفسها على الشعوب قبل السياسيين، أم أن الحل سيكمن في أنظمة فيدرالية نقية طائفيا واثنيا، غير أنه يبدو أنه لابد من ملاحظة أن شكلا جديدا للعلاقات الاقتصادية بدأ بالتشكل ليعيد رسم المصالح في المنطقة ولعله يكون عنوان موت سايكس بيكو وبناء شرق أوسط جديد.
100 عام على سايكس بيكو
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عبدالسلام بەرواری
إثارة الموضوع مناسبة لکي أشد علی ید الاستاذ حازم، الذي أظنە الوحید الذي فعل ذلک، في الوقت الذي أری بأن منبع کل ما عاناە العراق (بإعتبارە من نتائج سایکس بیکو) هو هذا التقسیم و الرسم العشوائي لحدود لا یشعر الذین یعیشون داخلها، بأیة صورة من صور الإنتماء. في