انطلقت أمس أعمال مؤتمر جنيف الثاني، في ظروف يرى كثيرون أنها تعمل لصالح الرئيس السوري، كونه في وضع أقوى مما كن عليه عند عقد جنيف الأول، فقد أثبت معارضوه عجزهم عن هزيمته، وبدلاً من ذلك تشرذموا أكثر، وأفسحوا المجال لإرهابيي القاعدة وما تفرخه، لتعظيم نفوذهم على الأرض، وليس سراً أن ذلك كان لمصلحة النظام، حيث يخشى السوريون من الإسلام المتطرف، وهم في واقع الأمر يتمسكون بسوريا، المتنوعة مذهبياً وطائفياً والبعيدة عن التطرف.
يتجاهل هؤلاء أنه رغم نجاح روسيا بتعويم النظام السوري، ومنع إدانته في مجلس الأمن، ورغم تراجع الثوار بعدما وصلوا إلى أبواب دمشق، واخترقوا أسوار حلب، وفرضوا سيطرتهم على أجزاء كبيرة من جغرافيا الدولة السورية، ورغم هجمة إرهابيي القاعدة، وسيطرتهم على مواقع كانت بيد الجيش الحر وتحت سيطرته، أن الثورة استمرت، حد إجبار النظام على الاعتراف بها، والجلوس إلى مائدة التفاوض مع ممثليها، المُطالبين بإصرار برحيل الأسد ونظامه.
أمس ابتدأت مرحلة صعبة ومعقدة، حيث عرض الطرفان مواقفهما وشروطهما ومطالبهما، ما يمنح الأطراف المشاركة، وخصوصاً موسكو وواشنطن فرصة لمزيد من الاستكشاف، ومعرفة أوراق قوة كل من طرفي الصراع، وبعدها ستبدأ الضغوط، موسكو ستستثمر مواقفها الداعمة للأسد في الضغط على حكومته، وواشنطن ستلجأ إلى تجفيف مصادر التمويل والتسليح، وإغلاق المنافذ الخارجية أمام أطراف المعارضة السياسية والعسكرية، وصولاً في النهاية إلى تطويع الطرفين، وإجبارهما على التنازل عن الكثير من ما أعلناه من "ثوابت"، وهما يتوجهان إلى المؤتمر.
يحضر الوفد السوري المؤتمر، بأمل منع حصول إجماع دولي يطالب الأسد بالرحيل عن السلطة، وأكثر من ذلك، فإن الأسد أكد عشية المؤتمر رغبته في الترشح لولاية جديدة تستمر سبع سنوات، وهو ما تؤيده موسكو، وترفضه واشنطن التي أعلنت في اول أيام المؤتمر أن لا دور له في مستقبل سوريا، رغم قوله بأن فرص الترشح كبيرة، خاصة أن هناك رغبة شعبية ومزاج شعبي ورأي عام يرغب بأن يترشح، بينما تحضر المعارضة التي ترى دمشق أنها لا تتمتع باي صفة تمثيلية، وانها ولدت على يد أجهزة استخبارات عربية وغربية، ونصب عينها هدف إسقاط النظام، معتمدة على تأييد عربي واضح، وتأييد غربي ليس مضموناً حتى الآن.
في جنيف الثاني ستسقط الكثير من الخطوط الحمراء، سواء تلك التي رسمها النظام أو اعتمدها معارضوه، وسينتهي المؤتمر طال الزمن أو قصر، بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، على أن يتخذ مجلس الأمن قراراً ملزماً ببناء نظام سوري جديد، لا يعادي إسرائيل وقد يعقد معاهدة سلام معها، وبحيث تخلو سوريا تماماً من التنظيمات الإسلاموية، التي تتخذ الإرهاب منهجاً، وإقصاء الآخرين سبيلاً، وبحيث تنجو الدولة السورية من شكل جديد من الاستعمار، سواء كان روسياً أو أميركياً، أو بالأحرى تحولها إلى ساحة تعاون بينهما، يتقاسمان النفوذ فيها إلى أمد غير قصير.
دفع السوريون أثماناً باهظة، لكن نتائج ثورتهم لن تكون كما يتمنون، وهم يمتلكون اليوم فقط الدعاء بالرحمة للشهداء.
جنيف الثاني لمصلحة من ؟
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2014: 09:01 م