قديماً قال العرب: انصف أذنيك من فيك فإنما جعل الله لك أذنين وفماً واحداً لتسمع أكثر مما تقول.. أغلبنا اليوم لا يلتزم بهذه المقولة الجميلة ويترك لفمه تسطير ما يحلو له من غث وسمين من دون ان يترك المجال لأذنه ان تسمع الآخرين وتفهم وجهات نظرهم..
يقال أحياناً ان الأمر يعود الى أسلوب التربية فاغلب الآباء يقولون والأمهات يسمعن فقط ولا يحاول الطرف الأقوى سماع وجهة نظر الطرف الأضعف او دفاعه عن أمر قد يتهم به او يعاقب عليه لكننا الآن لسنا بصدد خلق مقارنة بين القوة والضعف او السلطة والطرف الخاضع لها.. نحن نعاني من هذا الموضوع حتى فيما بيننا كزملاء او أصدقاء او أقارب والسبب هو العناد والتعنت بالرأي لا غير فلو حاول كل منا ان يجلس على مائدة حوار مع كل طرف يخالفه في الرأي لاكتشف حتى ولو لم يصرح بذلك ان آراءه ليست هي الأصح بالضرورة ولكنه العناد الذي يرثه البعض وللأسف وينتقل مع جيناتهم الوراثية الى أبنائهم فيظل فريق يتحدث من دون ان يسمع المقابل وفريق آخر يسمع فقط من دون ان يستخدم لسانه أما الفريق الذي يسمع كثيراً ويقول قليلاً فنادر من دون شك ...
تذكرت هذا القول حين شعرت ان هناك من لم يعد يفضل سماع الرأي الذي يخالف آرائه العنيدة ويعتبر الحيادية والتحدث بتعقل سلوكا خاطئا فالموضة السائدة حاليا هي الانجذاب الى طرف ما وتبني آرائه حتى لو كانت خاطئة او اختيار الصمت ...اخشى على وطني كثيرا من ان يتجاذب أبناؤه أطرافه بدعوى عشقهم له حتى تتقطع أوصاله ..لم يعد لنا بعد هذا الإصرار على انحياز كل عراقي لأبناء عرقه او طائفته انحيازا غير واع او مليء بالقناعة الا ان نحلم بوطن لا انحياز فيه ..ان نتشوق لعودة وطننا الى أيام لم نكن نتلفظ فيها بلفظة ( سني ) او ( شيعي ) او ( كردي ) لحرصنا على ان نظل كتلة واحدة على أرضه وتحت سمائه لكننا عجزنا أمام إصرار السياسيين على تفتيته وتعبنا من رؤية وطننا يتلوى تحت سياط الدكتاتورية الجديدة والتطرف والإرهاب والجهل والفساد السياسي ..لم نعد قادرين حتى على كتابة ما نشعر به حقيقة في أعماقنا لأن هناك من يحلو له ان يفهمه بطريقته فيسيء فهمه بالتأكيد وبالتالي وبدلا من أن نؤثر في العقلاء نثير حقد الجهلاء فلا نحقق الهدف المطلوب ..
في سنوات الثمانينات ، ابتدع بعض المراهقين لغة خاصة بهم يقلبون فيها الكلمات بحذف مقاطع وإضافة أخرى ليخفوا أسرارهم عن البالغين ونجحوا في ذلك وانتشرت اللغة بينهم ...يمكن ببساطة إذن لكل من حرم من نعمة حرية التعبير أو البوح اختراع لغة خاصة ليضمن التفاهم مع أبناء شريحته أما نحن - المحرومين أبداً من حرية التعبير والبوح الحقيقي خشية الوقوع في براثن الظلم أو سوء الفهم أو القتل، فما زلنا نحمل دهشة الرائي وخوف الصامت ورغبة المحروم من الحرية ولو قدر لنا ان نكتشف لغة خاصة للتواصل فيما بين شرائح المجتمع المختلفة بعيداً عن أعين المتلصصين والجواسيس والمتصيدين في الماء العكر والداعين إلى تشتيتنا لسعينا إلى ذلك عسى ان ننجح في البوح لبعضنا بمشاعرنا الحقيقية المنزهة عن الحقد والتناحر ولكن، هل سنضمن الإفلات من عيون الرقباء ومن تحول لغتنا المبتكرة تدريجياً - وبمساعدتهم طبعاً إلى حوار بين طرشان؟!.
حوار الطرشان
[post-views]
نشر في: 24 يناير, 2014: 09:01 م