كان واضحاً في اليوم الافتتاحي لجنيف الثاني، ومن خلال المواقف الحادة والمتباعدة، لطرفي الصراع والداعمين لهما، أننا نتفرج على مسرحية دبلوماسية، سيئة الإعداد والإخراج والتمثيل، تعكس فقط نتائج الصراع العسكري على الأرض، المستمر كحرب مواقع، بانتظار تغير حقيقي على موازين القوى، يكون المدخل لوضع أسس مختلفة للحل، تُنهي الشكل الراهن للصراع في سوريا وعليها، ولم يعد سراً أو اكتشافاً للمجهول، أن ما شهدناه لم يكن أكثر من محاولة، تستهدف رسم خريطة لمواقع ومواقف مختلف الأطراف، وستليها محاولات متعددة، قبل التوصل إلى حل يأخذ مكانه على الأرض، آخذين بعين الاعتبار أن طهران، التي تنبأت مسبقاً بفشل المؤتمر، ستواصل دعم نظام الأسد بكل الوسائل، باعتباره أساس نفوذها في المنطقة، وآخذين بعين الاعتبار أيضاً، أن روسيا تلعب على تناقض موقفيها، كراع دولي للحوار بين النظام والمعارضة وقبولها مبدأ نقل السلطة من جهة، وبين دعمها غير المحدود للنظام السوري، وهي تحاول الاختباء وراء إصبع تشدد إيران، في التزامها بالحفاظ على نظام الأسد، والمضي في محاولة إقناع العالم بمخاوفها من تنامي أدوار المتشددين " الإسلاميين " في صفوف المعارضة، وهو ما يبدو أنها نجحت في إقناع واشنطن به، استناداً إلى المواقف المعلنة للدبلوماسية الأميركية.
نحن إذاً أمام حقيقة أنه ليس هناك حتى اللحظة قرار دولي بوقف الحرب في سوريا ، وأن الاتفاق على مرحلة انتقالية فعلية لم يحن أوانه، وأن أقصى ما علينا انتظاره هو التوصل لاتفاقات هامشية، حول تخفيف الحصار عن بعض المدنيين، أو تحقيق هدنة إنسانية، وفتح ممرات للإغاثة إلى مناطق الطرفين، صحيح أن هذه الاتفاقات مهمة من الناحية الإنسانية، لكن المؤكد أنها ستظل هشّة، وتنتظر الانهيار على وقع سعي كلا الطرفين لتحسين مواقعه على الأرض، بفعل القوة العسكرية، كما أنه بات مؤكداً أن نظام الأسد، الذي وصفه الجربا بأنه بات من الماضي، لم يصل بعد إلى هذه المرحلة، فدوره أساسي ومطلوب في إنجاز تدمير المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية، وهو أمر مرشح للاستمرار طوال هذا العام، أي بعد استحقاق الانتخابات الرئاسية، التي يصر الأسد أنه سيخوضها، وهو على ثقة من الفوز فيها.
مع سعي المجتمع الدولي لفرض وقف القتال، تمهيداً لإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة النازحين، فإن أولويات طرفي الصراع متباينة تماماً، إذ تطرح المعارضة إقصاء الأسد ونقل صلاحياته، كمدخل للتفاوض على شكل مستقبل البلاد، بينما يرفض النظام وحلفاؤه، مؤكدين أن أي مستقبل دستوري أو رئاسي أو انتخابي، هو قرار يختص به الشعب السوري، ما يحيلنا إلى احتمالين لا ثالث لهما، يتمثلان بقبول المعارضة ببدء إجراءات إغاثية مستعجلة، قبل بحث مستقبل الأسد ونظامه، أو الانسحاب من جنيف، والعودة إلى ساحات القتال بحثاً عن موقع تفاوضي أفضل، والنظام أيضاً ومسبقاً يرى مع تقدمه العسكري في كثير من المواقع، أن الحسم على الأرض هو الفيصل، فيما يأمل معارضوه بأن يسفر الفشل المتوقع في جنيف، عن إقناع العالم بعدم جدية النظام، وضرورة دعم معارضيه أكثر، خصوصاً مدهم بأسلحة تغير موازين القوة، إن لم تكن قادرة على هزيمة النظام .
ستمر مياه كثيرة تحت الجسور، وسيراق الكثير من الدم السوري، قبل الانتقال إلى جنيف الثالث، وما بعده من جنيفات.
بانتظار جنيف 3
[post-views]
نشر في: 24 يناير, 2014: 09:01 م