على البحر الذي "سرّح اليدين فوقه المساء"،حيث جلس ومات وحيدا الغريب بدر شاكر السياب ، في الكويت التي لم تكن كما هي عليه اليوم ، ومن شرفة المطعم التي تطل هادئة الموج منذ ليلة أمس ،ساعة دخولي صحبة الآلام والمنى الكثيرة ، جلستُ أسرح للغربة شعرها ، غربة بدر وغربتي معا. كان المطر ناعماً يدغدغ وجنة الليل ثم يكمل استدارته التي ابتدأها في صفوان أمس.
نوارس وفواخت تدخر بين السحب البعيدة أجنحتها ولا تبدو آماد الأرض قريبة فساحل العجم لا يبدو متاخماً، ومن فرجة في قميص الروح تطلعت لأصدقاء قريبين، تذكرت دخيل الخليفة، صديقي الشاعر، الذي غادر ساعة وصولي إلى جازان بالسعودية، وتذكرتُ صديقات وأصدقاء كثر لكن نشمي المهنا الشاعر والكاتب كان واحة دفء لا تصدق، فقد تمكن وفي غضون ساعات قليلة من قلب معادلة الضجر رأسا على عقب، نشمي أنشوطة فرح لا تتأرجح بصاحبها في الريح ، هي تنزل إلى قاعها الأجمل حيث لا تبدو الكويت موجة نافرة على متن البر، مثلما لا تبدو جملا تائها في برية.
لم يكن حديث الثقافة طارئا في الكويت، وما المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إلا مؤسسة رصينة جعلت من الثقافة ممارسة يومية للنخب المثقفة مثلما هي زاد متاح للجميع، ذلك أن إصداراتها المتنوعة وعبر أكثر من 40 سنة من تأسيسها أكبر من أن يعرف بها في مقال هنا، كما أن ما طبع من إعلانات وبوسترات وصور وكتب وقراطيس خاصة بمهرجان القرين العشرين يفوق الفعل والممارسة نفسها، إذ أن الضيف المشارك والزائر العابر لا يجد صعوبة في معرفة مكان الأنشطة والفعاليات التي تباينت أماكن إقامتها بين مبنى المكتبة الوطنية ومسرح المتحف الوطني والمدرسة القبلية ومسرح الدسمة ومكتبة الكويت وسواها من الأماكن التي تباينت في الجمال والأهمية على الرغم من كثرة الجمهور في مكان وندرته في آخر لكن المهرجان امتد لقرابة شهر.
ولأن صورة المهرجانات العراقية مشوهة في تفكيرنا، مثلما هي مشوهة في الواقع فقد بدت لنا كل ممارسة تنظيمية تقليدية ذات معنى كبير، لكن وقوف سيارة بانتظارك في ابعد نقطة على الحدود لتقلك من هناك الى الفندق حيث تقيم، وأن تجد أن ثلاث دقائق فقط لا غير هي كافية تماماً لكي يكمل موظف الاستقبال قضية دخولك الغرفة في فندق من الدرجة الرفيعة والذي يطل على البحر وتخصيص سيارة أخرى بسائقها تحت إمرتك من الصباح الى الليل، يطوف بك البلاد الجميلة حيث ترغب واستقبالك من قبل كبار موظفي المجلس بوجوه باسمة ضاحكة مستبشرة أينما حللت حتى لتشعر بانك أكبر من حجمك الطبيعي ناهيك عن جمال ونظافة وحسن تدبير الممارسة الحضارية تشعرك بان الثقافة قضية تستحق التبجيل ، كما ان تنظيمها الى الحد هذا من الدقة ممكن أيضاً.ولا يتطلب كثير عناء.
بوسترات وصور وكتب وقراطيس خاصة بمهرجان القرين العشرين تجدها في كل مكان من الكويت بما يفوق الفعل والممارسة نفسها، إذ أن الضيف المشارك والزائر العابر لا يجد صعوبة في معرفة مكان الأنشطة والفعاليات التي تباينت أماكن إقامتها بين مبنى المكتبة الوطنية ومسرح المتحف الوطني والمدرسة القبلية ومسرح الدسمة ومكتبة الكويت وسواها من الأماكن التي تباينت في الجمال والأهمية على الرغم من كثرة الجمهور في مكان وندرته في آخر لكن المهرجان امتد لقرابة شهر بتمام نهاراته ولياليه.
و في قاعة مسرح متحف الكويت الوطني حيث أقيمت احتفالية توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية كانت القاعة كرنفالاً بحق فالاضاءة البنفسجية التي غالبا ما تبيض وتزرق كانت تضفي على الوجوه المستبشرة فرحاً وكان لحضور الدبلوماسية الأجنبية الى جانب كبار المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام والمجلس الوطني للثقافة والعلوم بوجود الأدباء والفنانين المكرمين معانِ كثيرة لا يمكننا الا ان نقول:" وفيم الصعوبة في ذلك ؟ " وهل كانت الثقافة العراقية من التدني بحيث لا يقام لها ما تستحقه؟ وكانت الكويت الجميلة المندفعة اليوم تجاه ترصين وتعزيز مكانة الثقافة اقدر على ذلك من العراق ؟ أسئلة كثيرة تتحقق أجوبتها هنا لكن إصرار السياسة العراقية على مسخ الثقافة من خلال عشرات الممارسات الخائبة ومواقفها المشينة في الإقلال من فاعلية الثقافة فضلا عن اعتقاد الزعامات الدينية على أنها من أعمال الشيطان ظلت حائلا دون تحقيق أحلام بسيطة كالتي تحققت في دولة صغيرة مثل الكويت .
لم يهلل ويحمدل احد في قاعة المسرح ، كان النشيد الوطني والأغنيات العاطفية وفعاليات راقصة هي فاتحة المهرجان . لم يتعالم احد على احد ، هي مؤسسات حرصت على صناعة أجيالها ثقافيا وقد أعلمتني مُدرسة في احدى المدارس الثانوية بان الموسيقى درس ثابت في المدارس الكويتية والتحضير للمهرجانات. تقليد حكومي في مناسبات وطنية عديدة وحين تصفحت الكتاب الذي اصدرته الجهة الراعية لمهرجان التكريم وجدت ان اسماء كثيرة تم تكريمها لأكثر من مرة وفي سنوات سابقة أدركت ان الدولة لا تنفك تكرم مبدعيها وهي لا تني تستحدث الجائزة تلو الاخرى عندها أردت تذكر جائزة واحدة تقدمت بها الدولة العراقية لمبدع واحد فلم اجد لكن قائمة طويلة من مبدعين عراقيين ملأوا الأرض اصطفت أمامي والى جانبها قائمة اخرى بمليارات الدولارات سرقت او أنفقت في غير محلها او تكدست في خزانة عاصمة العرب الثقافية بانتظار من يسرقها مع يقيني بان كلمة مثل هذه لا تقدم ولا تؤخر في عملية النسيان المقصودة التي تصر حكومتنا على تأكيدها في كثير من ممارساتها.
حين تكون المقارنة بلا معنى
[post-views]
نشر في: 25 يناير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...