TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً: من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية واذكائها..؟ (3)

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً: من المسؤول عن إثارة الفتنة الطائفية واذكائها..؟ (3)

نشر في: 25 يناير, 2014: 09:01 م

ليس من الموضوعية في شيء، حصر جذر التطرّف وأسبابه العميقة في الدين وما يُضفى عليه مما يخدم اغراضاً خارج بنيته، وعلى النقيض احياناً عن تعاليمه واهدافه. فالتطرف ظاهرة تاريخية، سبقت ظهور الاديان وتجاوزتها، حين كان الانسان في بداية نشوئه، وفي مراحل تطوره

ليس من الموضوعية في شيء، حصر جذر التطرّف وأسبابه العميقة في الدين وما يُضفى عليه مما يخدم اغراضاً خارج بنيته، وعلى النقيض احياناً عن تعاليمه واهدافه. فالتطرف ظاهرة تاريخية، سبقت ظهور الاديان وتجاوزتها، حين كان الانسان في بداية نشوئه، وفي مراحل تطوره في بيئة شريعة الغاب.
وقد تمظهر التطرف بكل اشكاله وتجلياته، في الصراع مع الطبيعة وضدها، ومع البيئة لتكييفها، وبين الانسان وأخيه الانسان، على مصادر الغذاء والنمو والتسيّد والسلطة. كما اتخذ التطرف اقصى مدياته في المجتمع والدولة في مجرى سيرورتهما وتنازعهما على بلورة المفاهيم الحقوقية، ومواقع كل منهما، وافرادهما، من القيم المعبرة عن الحرية والإرادة والاوليات المتحكمة في النزوع نحو الانسجام والتوازن، بين الالتزام والحقوق ولحظات التحول وادواتها.

وقد انتهى هذا الصراع الى بلورة منظومة من القيم والقوانين والمفاهيم الحقوقية، ظلت موضوعاً خاضعاً لشروط وموجبات التطور الاجتماعي والاقتصادي. وفي مستوى من هذا التطور في البلدان العربية - الإسلامية، نشأت الانظمة الشمولية الدكتاتورية، وأنتجت انماطاً من التطرف والتطرف المضاد، بما فرضته من قهرٍ ومصادرة للارادة، واشاعة ما تبتكره من اساليب القمع والفساد واعادة انتاجها، وتحويل المجتمع الى بيئة مفتوحة لتَمثُل كل اشكال التطرف والتمرد على المألوف، وجعلت اطرافه الرخوة محميّات جاهزة للاغتراب عن القيم والاعراف والعادات، وملاذاتٍ متشبعةٍ بثقافة العنف والفوضى.
وما يجمع النماذج الاستبدادية في المجتمعات الاسلامية المعاصرة، عندما تُستهَلك اساليبها التقليدية والمبتكرة في قسر المجتمع، وتتفكك ادوات تعسفها، وتعجز بمثل تلك الاساليب والوسائل عن ادامة سلطتها الجائرة، تلجأ، وإن بافتعال مكشوف، الى اطلاق حملات ايمانية مستقاة من اكثر المنابع غلواً وتطرفاً لترويض المجتمع وكتم انفاسه، بوضعه أمام نصوصٍ الهية مقدسة، تتولى بالانابة عن الحاكم المستبد، الحجر والتضييق على الافراد والجماعات، ومحاصرتهم بطائفة لا نهاية لها من احكام التحريم والتكفير، وتحويل القهر الى اداة تطبيق فروضٍ وشعائر وطقوسٍ، وتشتيت القوى الاجتماعية، وبث الفرقة بينها باعتماد الفصل الطائفي والمذهبي.
ولم يحد أيٌ من الانظمة العربية خلال العقود الخمسة الماضية عن هذا النهج، الذي ادى في المحصلة النهائية الى تصفية الحياة الاجتماعية من عناصر ومحفزات التقدم الحضاري، والتطور الاقتصادي والنمو الثقافي والعلمي، بعد ان اجهز على الحياة السياسية وافرغها من قواها الحيّة الفاعلة.
ان المستبد اذ يبدّد الطاقات الخلاقة في المجتمع، ويجفف منابع اعادة انبثاقها وتوليدها، ويعجز بفعل ذلك عن اشباع الحاجات المادية الضرورية لافراده، يوقظ اضعف ما خلفه الفقر والفاقة والجهل في المجتمع، ويجعلها تتوسد دعاواه الايمانية، ويغزو بقوة اندفاعها اليقيني المبني على التلقي المجرد عن اي معرفة، منصات المقاومة المجتمعية المناوئة للتسلط والاستبداد والقسر السياسي.
وفوق مثل هذا المشهد المنُتهك، ظلت اشباح صدام حسين والقذافي وعلي عبد الله صالح وبن علي والمحمدين: مبارك ومرسي العياط، تمزق نسيج مجتمعاتنا ودولنا المتهاوية، وفوق ما تبقى من هذه المجتمعات والدول، يظل اشباه رجال حكم يواصلون الى حين فرض إرادتهم.
خلال ثلاثة عقود وأزيد، نجح نظام البعث في العراق في انتاج ثقافة العنف، وهو يخوض حروبه الداخلية والخارجية لبسط سلطته المطلقة. وقد كان العنف المفرط الوسيلة الاشد فتكاً على مدى حكم صدام حسين لتصفية معارضيه داخل حزبه، وترويض معارضيه من على يمينه ويساره. واذ اصبح القتل تحت التعذيب في اقبية الامن والمخابرات، والقنص بكواتم الصوت، و"الاستشهاد- الانتحار" في الخطوط الامامية للحروب بنيران العدو، او رصاص فرق الموت من الخلف، ممارسات يومية تغطي كل مساحة العراق، أمسى العنف وما ينتجه من اشكال التطرف، ثقافة سائدة ومساحة مفتوحة على الاجتهاد في توسيع ميادين اعتماده كوسيلة للدفاع عن النفس، واسلوباً في التعامل مع الغير وفي فض المنازعات واسباب الاختلاف مع الاخر، وانتزاع الحقوق وفرض العقوبة والتجريم، خلافاً وتغييباً لحكم القانون والقضاء.
ولكي تكتمل الاسوار التي تغلق كل منفذ يمكن ان يتنفس من خلاله المجتمع نسيماً يحرك فيه طاقة التحدي، اطبقت الحملة الايمانية التي اطلقها صدام حسين على كل مصدر للغنى الروحي والاخلاقي والجمالي، بشمول تحريم المنافذ الثقافية والفنية، السينما والمسرح والفنون والمقاهي الثقافية والنوادي الاجتماعية الترفيهية، ودمغها بوشم مخالفة القيم الايمانية وموجباتها التحريمية.
وبتنا اليوم نعيش في وارف ظلال تلك الحملة الايمانية التي توشّحت على يد "المختار" بسواد داكنٍ لا متنفس للهواء الطلق فيه!
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. آريين آمد

    هذا الارث العظيم من الاستبداد لم يخلق الا مجتمعا عنيفا لا يجيد الا استخدام العنف في حل ابسط مشاكله.... فكم من شجار بسيط بين اطفال في الشارع تطور الى معركة بين عشيرتين... لا بل يقتل الاخ اخيه احيانا لاسباب تافهة... اعتقد باننا بحاجة الى مصحة نفسية بكبر الع

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram