صحيح أن الموهبة شرط من شروط الإبداع الفني ولكنها لا تكفي وحدها لأن أثرها قد يظهر في عمل أو عملين ولكنها سرعان ما تفقد قوتها وتأثيرها إذا لم تدعم بما يسمى (الدربة) أو (التكنيك). وينطبق هذا المبدأ بوجه خاص على الفن المسرحي وبوجه أخص على التمثيل والإخراج، فالموهبة لا تؤهل الشخص لكي يكون ممثلاً بارعاً يجتذب جمهوره في جميع الأدوار التي يمثلها، والموهبة لا تؤهل من يمارس الإخراج في المحاولات الأولى لأن يصبح مخرجاً مقتدراً ،فمهمات المخرج المسرحي كثيرة ولا تنفذها الموهبة وحدها بل لا بد من دعمها بالمعرفة- المعرفة بنواحي الحياة كافة وبالعلوم والآداب والفنون الأخرى، وإذا ما نجح هذا المخرج أو ذاك في هذا العمل أو ذاك لا يعني أبداً انه امتلك ناصية الإخراج وانه يستطيع ان يدير دفة عروض مسرحية أخرى.
وهنا نقتبس شيئاً من المنظّر الكبير (ألكساندر دين) حيث يقول:"إن التوجيه المجرد في الفن لا يمكن ان يخلق فناناً من الشخص الاعتيادي الذي لا يمتلك موهبة موروثة أو ميلا طبيعيا أو شعورا معينا تجاه الفن"..
ويعقّب بعد ذلك قائلاً: "إن الهواة المبتدئين قد يصلحون لأن يكونوا مبدعين ،ولكن لابد أن يكونوا على مستوى معين من الثقافة الفنية المعروفة. وتأتي المعرفة الفنية من الاستنتاجات المستمرة المعتمدة على التجارب الناجحة التي شكلت التكنيك".
المخرج المسرحي الناجح هو القادر على تقسيم النصوص المسرحية ومدى صلاحيتها للعرض في ذلك ومكان معينين، وهو القادر على تحليل النص تحليلاً دقيقاً بما يخص (ثيمته) وما يخص شخوصه وأحداثه. وهو القادر على تفسير ما حلله بالوسائط المتاحة من ممثلين ومناظر وأزياء وملحقات وإضاءة ومؤثرات سمعية وبصرية ،وهو القادر على تدريب ممثلين بما يخص حركتهم وإلقاءهم لحواراتهم. وهو القادر على تصميم مناظر المسرحية وأزيائها وإضاءتها أن يمتلك حساً تشكيلياً ومعرفة معمارية.
المخرج المسرحي المقتدر هو ذلك الذي يمتلك الخبرة المتراكمة والمعرفة الواسعة والشاملة والفرق المسرحية الرصينة سواء كانت مدعومة من الدولة أو من قبل جهات أخرى خاصة تسعى لأن تضم بين ظهرانيها أولئك الممثلين المكتملين موهبة وتقنية وأولئك المخرجين المتمرسين والمصممين الخبراء، ولكي تحقق نجاحات لبرامجها فهي تنتقي الأفضل والأكثر خبرة ولا يمكن ان تعتمد على المبتدئين أو على الهواة ولكن تبقى تغذي عملها بدماء جديدة ،فقد عمدت بعض الفرق المشهورة في العالم إلى تأسيس فرق ظل لفرقها الأصلية وأن تضم إلى تلك الفرق مجموعات الموهوبين وتعمل إدارتها على تزويد أعضائها الجدد بالمعرفة وعلى صقل مواهبهم، وهنا نضرب أفضل مثال لفرق الظل ما فعلته فرقة (أولدفيك) الإنكليزية حين أسست فرقة (يانغ فيك) وخططت لأعضائها برنامجا تدريبيا آخر للعروض المسرحية.
وجدتني مضطراً لأن أطرح هذه الأفكار حين حضرت ندوة فكرية عن الكاتب المسرحي البارع (عادل كاظم) في بيت المدى ولم أجد من بين الجمهور الحاضر إلا عدداً قليلاً من المسرحيين وغاب عن الحضور شباب المسرح ،وكان مثل هذه الندوات التي تقام لاستذكار إبداعات فنانينا المسرحيين وغيرهم ممن أرسوا دعائم الحركة الفنية في بلدنا وطوروا عطاءاتهم ،ولولاهم لما وصلت هذه الحركة إلى ما وصلت إليه من تقدم، والاعتداد بالنفس أهو الاعتقاد أنّ القديم صار بالياً؟ هل اعتقدوا أنهم المجددون الذين تركوا الماضي ولا عودة إليه؟ ألأنهم امتلكوا ثقافة ومعرفة وليس في أدمغتهم مكان للمزيد؟
هل تكفي الموهبة لتحقيق منجز فنّي راسخ؟!
[post-views]
نشر في: 27 يناير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...