فاجأت شركة " بارامونت " السينمائية الشهيرة جميع المهتمين بصناعة الأفلام ببيان رسمي لها أعربت فيه ملكيتها للحقوق الفكرية والإبداعية للفيلم الكلاسيكي " إنها حياة رائعة " الذي عرض عام 1946 ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأحد أن يفكر بإنتاجه مرة ثانية دون
فاجأت شركة " بارامونت " السينمائية الشهيرة جميع المهتمين بصناعة الأفلام ببيان رسمي لها أعربت فيه ملكيتها للحقوق الفكرية والإبداعية للفيلم الكلاسيكي " إنها حياة رائعة " الذي عرض عام 1946 ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأحد أن يفكر بإنتاجه مرة ثانية دون موافقتها ، الإعلان جاء على خلفية تصريحات بعض المنتجين المغمورين في هوليوود خلال الأيام الماضية أنهم يعملون على جزء ثان لهذا الفيلم وقد وضعوا له عنوانا مؤقتا هو " إنها حياة رائعة : بقية القصة " ، ولم تشر بارامونت في بيانها صراحة إلى مشروع أو أشخاص بعينهم.
حيث قالت :- لا يوجد أي مشروع له صلة بفيلم " إنها حياة رائعة " يمكن إنتاجه دون موافقة وترخيص من الشركة ، وحتى الآن لا يوجد أي شخص يملك تلك الحقوق وستتخذ الشركة الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها .
إلى هنا ينتهي هذا الخبر الذي سارعت فيه بارامونت أيضا إلى إصدار نسخة منه معدلة عالية الوضوح وضعت على الشريط حقوق طبعه ومشيرة بنفس الوقت إلى أن " معهد الفيلم الأمريكي " وضعه في المركز العشرين بقائمته لأفضل 100 فيلم أمريكي عام 1977 ومتقدما للمركز الحادي عشر بالقائمة المحدثة عام 2007 .
صنف كواحد من أكثر الأفلام المبهجة والملهمة في السينما الأمريكية منذ نشأتها وقد اقتبست قصته عن رواية " الهدية الأعظم " للروائي الأمريكي فيليب فان دورين ستيرن التي صدرت عام 1939 وحازت شهرة كبيرة .
شكل الفيلم لدى عرضه الأول على الجمهور عام 1946 أسلوبا جديدا على صعيد شكله ومضمونه حيث تميز ببساطة قصته وتمثيله وإخراجه ما شكل متعة للجمهور الذي تقاطر لمشاهدته ، أما نقاد السينما فقد نال رضاهم بسبب قيمته الفنية العالية وقصته الممزوجة بالضحكات والدموع وبالسعادة والألم ، حيث نرى جورج بيلي " جيمس ستيوارت " الذي رسم أحلامه منذ نعومة أظفاره على حياة رغيدة وظل يداعبها حتى مرحلة الشباب متخيلا كل جزء منها وعارفا بكل تفاصيلها ، وكل ما يريده هو أن تحمله السنوات بسرعة إليها ثم في طرفة عين ومن دون أن يتوقع ذلك يصطدم بالحياة الصعبة والقاسية ليبدأ بعد ذلك تدريجيا نسيان تلك الأحلام بجميع تفاصيلها ويختفي بعد ذلك عن سمعه لحنها وعن بصره بريقها ، وشعر كأن الأرض تضيق عليه ليصل إلى مرحلة من مراحل اليأس يجد فيها الموت أنفع وأفضل لأهله ، بعد هذا كله يصل به اليأس بلا شعور إلى قول " ليتني لم أخلق " لأنه بكل بساطة لم يعشها كخطط وأراد ولم يذق أياً من تلك الأحلام حيث كان يصف حلمه الكبير بقوله :
- إنني أعرف ماذا سأفعل غدا وبعد غد والسنة المقبلة والسنة التي بعدها ، سأنفض عن قدمي غبار هذه المدينة البائسة وسأسافر لأرى العالم ، إيطاليا ، اليونان ، مصر ، ثم سأدخل الجامعة وأعود لأبني أشياء لها مساس في حياتنا ، قطارات وجسوراً وناطحات سحاب .
حينما يصل بيلي إلى تلك المرحلة وعلى وشك أن يقدم على قتل نفسه يرسل له من السماء ملاكا ليحقق له تلك الأمنية ليرى بعد ذلك كم حياته غالية ولا تقدر بثمن ، عرف بعدها قيمة الحياة وقيمة من يعيش فيها وكم تستحق العيش فيها وإن ما يحدد قيمته فيها هو الفراغ الذي يتركه إذا رحل .
يشار دائما على مخرج الثلاثينات والأربعينات فرانك كابرا ( 1897 - 1991 ) الصقلي الأصل والأمريكي الجنسية أنه ينتقي قصص أفلامه بعناية ليقدمها إلى جمهوره الذي خبره في العديد منها كفيلم " حدث ذلك في ليلة واحدة " و " السيد سميث يذهب إلى واشنطن " و " السيد ديدز يذهب إلى البلدة " و " إنها حياة رائعة " ، ولأجل كل تلك الأعمال فقد اختارته مجلة تايم في العام 1939 أفضل مخرج أمريكي ، ومن الإنجازات الكثيرة له فوزه بثلاث من جوائز الأوسكار لأفضل مخرج في غضون خمس سنوات بين عامي 1934 و 1938 وهو إنجاز لم يحققه أي مخرج آخر خلال مثل هذه الفترة القصيرة ، وقد جاءت صرخته في فيلم " إنها حياة رائعة " على طريقته الخاصة وكأنها محاولة لبعث الأمل في نفوس الناس والدعوة للتصالح مع العالم مرة أخرى بعد حرب عالمية مدمرة ، فليس بمستغرب عنه تقديم مثل هذه التحفة الخالدة بتقنيته الإخراجية المتميزة مازجا الكوميديا بالرومانسية ،ولذلك قال عند تقديمه لهذا الفيلم : - أريد أن أضيف لأرشيفي الفني جهدا آخر لم أحاول أن أخفي فيه ما تعلمته من صنعة السينما ، ففيلم " إنها حياة رائعة " سيعلق في ذاكرة المتفرج سنين طويلة ،وأعتقد أن الجمهور سيستمتعون به قصة وتمثيلا وإخراجا ،ومن الصعوبة تكراره .
في هذا الفيلم وضع كابرا كل خبراته وعبقريته وأخرج ذروة أعماله وأجملها لمخرج يصنف من ضمن أفضل مخرجي السينما على مر التاريخ .
اضطلع ببطولة الفيلم اثنان من أحب نجوم هوليوود في تلك الحقبة التي تلاها ، حيث حققا بأعمالهما شهرة واسعة امتدت حتى يومنا هذا، ومع أن الممثلة دونا ريد لم تكن أكثر شهرة من جيمس ستيوارت ولا أبدع تمثيلا منه ، لكنها استطاعت أن تتفوق على الكثير من مجايليها من الفنانات اللاتي عرفتهن السينما آنذاك .
جيمس ستيوارت ( 1908 - 1997 ) هو أحد أعظم الممثلين الذين جمعوا روعة الأداء والتوازن والتاريخ الحافل بالروائع من الأفلام التي اضطلع ببطولتها ،وما يميزه عن غيره من ممثلي العصر الكلاسيكي هي ليست تلك الملامح المميزة والنظرات الثاقبة والكاريزما الطاغية أو تلك الجاذبية الساحرة والوسامة المتفجرة ، ما يميزه ويجعله الأكثر طلبا والأكثر تميزا هي تلقائيته التي تجبرك على عدم رفع بصرك عنه والاستمتاع بكل لحظة يظهر فيها على الشاشة ، فملامح وجهه البريئة ونظراته الهادئة تجعل منه ممثلا لا تستطيع أبدا مقاومته أو عدم الإعجاب به .
ظهر ستيوارت في أكثر من 70 فيلما كان من بينها من حاز على أكثر مشاهدة " قصة فيلا ديلفيا " عام 1940 الذي استحق عنه جائزة الأوسكار ، " النافذة الخلفية " 1954 الذي اعتبره نقاد السينما من أعظم أدواره التي أداها طيلة عمره الفني وهو من إخراج ألفريد هتشكوك وقد ترشح الفيلم لجائزة أفضل مخرج في مهرجان الأوسكار ، إضافة لفيلم " إنها حياة رائعة " و " فتاة زيغفيلد " وغيرها .
أما دونا ريد ( 1921 - 1986 ) فكان حلمها التمثيل الذي كان دائما ما يداعب خيالها فانضمت للفريق المسرحي الجامعي حتى شاركت على اثرها في العديد من المسرحيات وقد تم اختيارها نهاية المطاف للسينما من قبل شركة أفلام إم جي إم في أول أدوارها عام 1941 والتي أصبحت بعد ذلك من نجوم الصف الأول في هوليوود نظرا لما تتمتع به من جمال لافت وموهبة صاعدة ، شاركت بعد ذلك جيمس ستيوارت في أشهر أدوارها " إنها حياة رائعة " وفي عام 1953 تمكنت من إحراز جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة في دور مساعد .
أسند الفيلم لطاقم عمل فني كبير اختارهم المخرج فرانك كابرا بعناية تألف من السيناريو فرانسيس غوودريتش وألبرت هاكيت، وقد استندا في إعداده على رواية الكاتب الأمريكي فيليب فان دورين ستيرن " الهدية الأعظم " ، وقد شارك ستيوارت وريد في البطولة ليونيل باريمور وهنري ترافرز بينما وضع موسيقاه الساحرة الموسيقي النابه ديمتري تموكن ، وقد استمتع الجمهور طيلة 130 دقيقة هو عمر الفيلم الذي امتد عقودا عديدة يريد بعض المنتجين الآن إضافة عمر آخر له ،غير أنه خالد لا يعترف بما مضى به من سنوات .