لم نكن ننتظر من الأخضر الإبراهيمي، تصريحاً يكشف فيه أن تسعة أيام من التفاوض بين طرفي الصراع في سوريا، لم تفض إلى أي تقدم ملموس في الملفات المطروحة، وأن مواقف الطرفين خلالها بقيت متباعدة، ويبدو غريباً إعلانه الأمل بأن تكون المرحلة المقبلة من المفاوضات مثمرة أكثر، وألا تكون كسابقتها، ذلك أن وفدي التفاوض لم يحضرا إلى جنيف للتفاوض، بقدر ما جاء كل منهما بهدف إقناع العالم بأنه على حق، وأن الطرف الآخر ليس أكثر من مجموعة إرهابيين، يجب القضاء عليهم، والمؤكد أنهما يحضران نتيجة للضغوط الدولية، وليس سراً أن روسيا أجبرت النظام على الحضور، مسلماً باستناد التفاوض إلى وثائق جنيف الأول، الداعية إلى تشكيل هيئة انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، وواشنطن مارست ضغوطها على المعارضة، مُهددة بأن امتناعها عن الحضور سيحرمها من الدعم الذي تقدمه لها.
سادت أجواء الجولة الأولى من المفاوضات، المناورات المتبادلة والمتذاكية، للهروب من الأولوية التي يزعم كل طرف أهمية الولوج منها إلى جوهر الصراع، فالمعارضة ترى أنها لموضوع هيئة الحكم الانتقالية، والنظام يطالب بوقف التمويل والتسليح والتدريب والإيواء للإرهابيين، وتسهيل تدفقهم إلى سوريا، والعمل سريعاً على مواجهة المجموعات الإرهابية، والقضاء عليها لتحقيق الأمن والسلام وعودة الهدوء والاستقرار، ويعتبر رفض المعارضة لذلك دليلاً على تورطها بالإرهاب، وراعيتا المؤتمر تعتنقان قناعةً، بأن لكل من الفريقين حرية طرح ما يرغب فيه، على أمل أن يشكل ذلك بدايةً ما لمسار الحل السياسي، الذي يشكل اتفاقهما عليه نقطة جوهرية في علاقاتهما، لكن ما جرى خلال تسعة أيام، هو اتفاق هش أعقب مماطلات مرضية، على إدخال المساعدات إلى بعض المواقع المحاصرة.
يعتقد المعارضون للأسد أن حضورهم كشف مواقف النظام المراوغة، وأنه يلعب على الوقت، بأمل تغيير الواقع على الأرض وأن مزاعمه عن محاربته للإرهاب مكشوفة، وأنها ليست أكثر من محاولات بائسة للترهيب، لكن هذا المكسب لا يلغي حقيقة أن ذلك لم يمنع النظام من كسب الوقت، لمواصلة محاولاته المستمرة منذ ثلاث سنوات، لفرض الحل الأمني، مع التظاهر بقبوله التفاوض على حل سياسي، فالمعارك المتصاعدة على الأرض، تعمل على تكريس التغيير الديموغرافي، وإحداث الفرز السكاني طائفياً، نتيجة لتهجير المزيد من السوريين، وتدمير آلاف المباني السكنية، لإقناع العالم باستحالة التوصل إلى استقرار سوريا وعدم تقسيمها أو سيطرة المتشددين والتكفيريين عليها، دون الأخذ بوجهة نظره حول أسباب الصراع، وأولويات البحث عن حلول لإخماده.
يرى كثير من المراقبين أن اقتصار أهداف المفاوضات على مجرد استمرارها، يعني استمرار النظام في حربه التدميرية، بغض النظر عن مزاعم الغرب بانتفاء أي دور للأسد في مستقبل سوريا، مع الاعتراف بالحاجة إلى تعاون الأسد للتخلص من الأسلحة الكيماوية، مع أن أمين عام الأمم المتحدة أكد أن دمشق لا تتعاون كما يجب في هذا المضمار، وأنها لم تسلم أكثر من 5% من مخزونها الكيماوي، ويظن هؤلاء أنه كان على المعارضة، الحصول على ضمانات بتنفيذ مضمون قرارات جنيف الأول، بموجب ولاية من الأمم المتحدة، بدل السعي لإثبات رعاية النظام للإرهاب، وهي تهمة يعتقد الغرب أنها صحيحة ولا تحتاج لأي إثبات، لكن الواضح أن المعارضة تسعى على الأقل لتحييد الموقف الروسي، إن لم يكن استمالته لصالحها، وهنا نعرف الهدف من زيارة الجربا القريبة لموسكو، وإعلانه عشيتها أن الروس أبلغوه عدم تمسكهم ببقاء الأسد، مع تمسكهم بوحدة البلاد، وخلوها من الإرهاب التكفيري، ما يفسر توحد المعارضين في الحرب ضد تنظيم داعش.
جنيف الثاني فشل متواصل والحل بعيدٌ عن بحيرة ليمان.
جنيف وفشل الجولة الأولى
[post-views]
نشر في: 31 يناير, 2014: 09:01 م